استغرب جدا من اصرار (قوى الحرية والتغيير) علي تنكب اثار الانقاذ وقع الحافر بالحافر بعد ان قاوموها واطاحوا بنظام حكمها الذي استمر ثلاثين عاما، جال بخاطري هذا الامر وانا اتابع ملابسات الازمة التي حدثت للدكتور جبريل ابراهيم امس بعد ان تم اتخاذ قرار اثيوبي بترحيله اوقفه تدخل الاتحاد الافريقي في اللحظات الاخيرة.
من اكبر اخطاء الانقاذ محاولتها استيراد الحلول لازماتها مع الفرقاء السودانيين من العواصم الاجنبية، جربت هذا الامر في نيفاشا وابوجا والدوحة وجيبوتي وعبر منبر اديس ابابا الذي استضاف اكثر من 13 جولة محادثات بين الانقاذ والحركة الشعبية واخري مع حركات دارفور دون ان تفضي الي حلول.
توقعت ان تستفيد قوى التغيير الجديدة من اخطاء الانقاذ وتسعي ل(سودنة الحلول) وتوطينها بعيدا عن ايدي المخابرات الاجنبية ولكنها لم تفعل، مازلت متعجبا من تحول الحوار بين المكونات السودانية بعد انتهاء نظام البشير الي مفاوضات بين (فرقاء) ترعاها العواصم الاجنبية ، حتي التفاوض بينها والمجلس العسكري الذي تم داخل الخرطوم لم ياخذ قيمته المعيارية الا بعد ان جاءهم رسول من الافارقة يعلمهم الاتفاق والحكمة وكيفية تقاسم السلطة .
لم يتعلم القوم من تجربة الحكومة السابقة وتركوا كل شئ هنا حتي الشعب الذي اورثهم الحكم وذهبوا يتقاسمون منبر اديس لتحقيق السلام في السودان، من قبل هاجمنا الوثيقة الدستورية التي تراجعت عنها قوى الحرية والتغيير وانتقدنا نزوعها لان تحكم وحدها وتشكل برلمانها منفردة واعتبرنا هذا الامر سلوكا محسوبا علي الحكومة الماضية يحمل اقصاء للاخر ويوسع دائرة المعارضة ويجعل من التغيير مرحلة جديدة من التمكين.
حتي خطاب الثورة لم يتجاوز قاموس الانقاذ الذي سن المواكب المليونية ، لتاتي (قوى الحرية والتغيير) وتدعو بذات اللغة والمفردات الي مليونيات اخري مثلت امتدادا للخطاب الانقاذي الذي مازال يعتقل قوى التغيير في قوالب مكرورة .
هيكل الحكم المقترح يمضي في ذات ما فعلته الانقاذ وهي تجعل من الحكومة جسما مترهلا يبدد موارد البلد ويصعب مهمة العمل الاداري بتوسيع مظلته علي ذات النسق الذي افشل النظام السابق، لماذا تقترح قوى الحرية والتغيير حكومة من 20 وزيرا مع 11 في المجلس السيادي ، هذا علي غير ما ستسفر عنه الممارسة من وظائف جديدة ووزراء دولة ووكلاء يمارسون مهامهم الان ومفوضيات ومنظمات وصناديق وهلمجرا ارضاء للطيف العريض الممثل لقوى الثورة.
علي المستوى التشريعي بح صوتنا من القول بان برلمانات الانقاذ كانت مترهلة ، كلما اشتد خناق المحاصصة علي الحكومة بفعل تكتيكاتها لتغيير جلد النظام وارضاء الاخرين كانت تزيد عدد النواب في البرلمان، هل يحتمل الوضع الاقتصادي تعيين 31 من وزير لسيادي مغ 300 نائب في المجلس التشريعي المقترح برواتب وامتيازات ومخصصات وسيارات، علي حساب الشعب المسكين ومن جيب دافع الضرائب السوداني.
مازال مفهوم المشاركة في اذهان السياسيين منذ الانقاذ وحتي مابعد التغيير يرتبط بشغل المقاعد وتسنم المناصب وهذا ما تشير اليه مفاوضات قحت مع الاخرين بعيدا عن تغيير المفهوم لتكون المشاركة ممكنة عبر الراي والمشورة والاسهام في اعداد الخطط والبرامج التي تنفذها الحكومة.
مازالت قوى الحرية والتغيير تفكر داخل صندوق الانقاذ في رؤيتها لمن يشغل المناصب العامة حيث يعلو منطق الجهوية والمناطقية صحيح انه ياتي في التفكير بعد الكفاءة ولكن ما لم نتجاوز مرحلة التصنيف القبلي والعرقي ونترك فكرة المحاصصة في تولي المهام وتوزيع المناصب فاننا سنكون امام انتاج ذات المصائر التي قادت الانقاذ الي الفشل والسقوط.
اين ترشيح الشباب للمواقع المتقدمة في الحكومة ، لماذا يصرون علي استدعاء ذات الشخصية التي حاولت الانقاذ تسليمها مقاليد مجلس الوزراء، اين الاسماء الجديدة والكفاءات الصاعدة والدماء الحارة لماذا يدورون في فلك الانقاذ حتي في تسمية رئيس الحكومة ويتحركون بين لافتتي الدكتور مضوي ابراهيم وعبدالله حمدوك.
واخيرا مازال السودان ملعبا لصراع المحاور بعلم (قوى الحرية والتغيير ) ومباركتها، ماحدث في اديس امس في التعامل مع دكتور جبريل يعبر عن ذات المرض الذي افقد البشير البوصلة وجعل السودان فقيرا في موائد الاخرين وتابعا طائعا لارادة هذا المحور اوذاك، فاين التغيير؟!، ولماذا تسعي (قوى الحرية والتغيير) لاعادة انتاج الانقاذ، الثورة ينبغي ان تكون لاسقاط المفاهيم القديمة لا الحكام فقط ، فهل نجحنا.. ام ان الانقاذ لم تسقط بعد.
صحيفة اليوم التالي