(ختّونا في وش المُدفع)، هذه العبارة قالها طبيب في وصف حاله وحال العديد من زملائه في المستشفيات الحكومية الذين يواجهون غضب المرضى ولعناتهم، عندما يكتبون لهم وصفات طبية من المفترض أن تصرف مجاناً، لكنهم في لا يجدونها.
هذه الأيام على وجه التحديد، تعاني المستشفيات الحكومية من نقص حاد في الدواء المجاني ، وما يتوفر منه في الصيدليات يباع بأسعار مضاعفة.
أكثر من ذلك فإن الدواء الذي تصنفه وزارة الصحة بأنه (الدواء المنقذ للحياة) ، يقع فقط في أيدي المقتدرين.
وهناك استثناء طفيف، إذ تتوفر بكميات محدودة أدوية الأطفال المصابين بالأمراض المزمنة في بعض المستشفيات.
حالة ماثلة
في مستشفى جعفر بن عوف للأطفال، يغطي الحزن وجه مرافقي الأطفال الذين ظل أبناؤهم يعانون من الأمراض المزمنة. منذ الصغر وهم يفتقدون للرعاية الصحية الأولية التي من المفترض توفرها لهم الدولة.
محمد طفل في مقتبل العمر، تأتي به خالته للمستشفى يوماً بعد يوم للمتابعة، محمد مصاب بالفشل الكلوي، معاناته تتواصل بعد اجراء الفحوصات المطلوبة، بل تزداد سوءاً. اكتشفت خالته عدم توفر العلاج في المستشفى.. تقول: لم يعد في مقدورنا توفير العلاج من خارج المستشفى، نحن أسرة فقيرة، ونحتاج لترحيل محمد من البيت للمستشفى، من منطقة الأزهري جنوب الخرطوم، بعربة أمجاد ..
وبجانب فلوس الترحيل – تقول الخالة – هناك هم العلاج وهناك الأسى الذي يسيطر على اسرة عاجزة عن دفع تكاليف العلاج.
قصة عائلة محمد يمكن أن تسمعها عشرات المرات في المستشفيات الحكومية، ما يشير إلى أن الحديث عن توفير العلاج المجاني للأمراض المزمنة ومجانية علاج الأطفال دون سن الخامسة، لم يدخل حيز التنفيذ ..
وهنا يطرح سؤال حول متى يطبق قرار الرئاسة القاضي بتوفير العلاج المجاني؟
كاليف باهظة
المريض (س.ح) يعاني من مرض التهاب الكبد الوبائي (ب).
الدواء غير متوفر في المستشفيات الحكومية اوالخاصة والعلاج داخل السودان أغلى من العلاج في مصر.
المريض يشكي ويقول : ( مافي اختصاصيين في السودان والدواء غالي..
ويضيف: أسعار دواء الكبد غالي، ويتراوح سعر (شريط الحبوب) بين (500ـ700) جنيه.
تعامل سيئ
كشفت زيارة (آخر لحظة) لمستشفى شرق النيل عن نقص حاد في الدواء المجاني وأدوية الأمراض المزمنة (السكري، الفشل الكلوي).
ويشكو مواطنون تحدثوا لـ(آخر لحظة ) من أن الأدوية غير متوفرة في المستشفى وإذا توفرت فهم غير قادرين على شرائها بسبب ضيق ذات اليد، بجانب غياب تام للسلطات الصحية والجهات ذات الصلة من المشهد.
هناك فوضى في أسعار الدواء المجاني، بجانب التعامل السيئ للعاملين بالمستشفى للمرضى.
وشهدت الصحيفة حالة شد وجذب بين المرضى والصيادلة عند صرف الدواء..
أحد الأطباء قال للصحيفة أن الحديث عن توفير الدواء المجاني لبعض الأمراض، وضع الأطباء في مواجهة مع المرضى وذويهم..
ندرة الدواء
قرار الحكومة بتوفير الأدوية المنقذة للحياة للأطفال وأدوية الطوارئ مجاناً ساهم في علاج كثير من الحالات من الفقراء الذين لا يستطيعون دفع فاتورة الدواء.
لكن، تشهد مستشفيات الولايات ندرة في الأدوية المجانية، وهنالك حديث حول تسرب تلك الأدوية إلى الأسواق في بعض الولايات الطرفية، بجانب تردٍ في الخدمات الصحية والبيئة، وأيضاً ظلت صيدليات التأمين الصحي تعاني من شح الدواء ، لا سيما الأدوية المنقذة للحياة وأدوية الأطفال دون سن الخامسة، حيث تقوم المراكز الصحية الطرفية ببيع دواء الملاريا والأمراض المزمنة..
الدواء الدوّار
صيدلية صندوق الدواء الدائري بشارع الدكاترة، تفتقر لأدوية للأطفال دون سن الخامسة، بجانب أدوية الأمراض المزمنة.
ويلجأ المرضى الى الصيدليات العامة لشراء الدواء بأسعار مضاعفة بدلاً عن الدواء المدعوم.
تكاد تنعدم الأدوية في صيدلية رقم (1) التابعة للتأمين الصحي بشارع المك نمر بالقرب من مستشفى الأمراض الجلدية بالخرطوم..
تتزايد معاناة المرضى بعد رفع الحكومة مؤخراً قيمة دولار استيراد الدواء، من (7.5) جنيه إلى (17.5) جنيه.
أصحاب الصيدليات يشكون من عدم توفر العديد من الأدوية التي تعد حيوية لإنقاذ حياة المرضى، ومنها أدوية الصرع، بجانب زيادات كبيرة في الأسعار لأدوية بعض الأمراض مثل أدوية السكري وضغط الدم.
مسؤولية من؟
خلال تجوالنا في المستشفيات تكشف لـ (آخر لحظة) تنصل الكثيرين من تنفيذ القرار الرئاسي بتوفير مجانية كافة أدوية الأطفال.
ومعروف أن المشروع يشتمل على أدوية مخصصة لمعالجة تسعة أمراض أبرزها الالتهابات الرئوية، والإسهال، والحمى الحرجة والتهابات العيون.
تقول وزارة الصحة الاتحادية إن مشروع الدواء المجاني يعمل على توفير الأدوية الأساسية لعلاج الأطفال في مراكز الرعاية الصحية الأساسية التي بلغت (2830) وحدة من وحدات صحة الأسرة، و(2078) مركزاً لصحة الأمومة والطفل.
وأعلنت وزارة الصحة الاتحادية في وقت سابق عن تلقي المشروع دعماً في الموازنة الجديدة للدولة بما يمكنه من تغطية الأطفال المستهدفين عبر المراكز والوحدات الصحية بنسبة (100%).
تحديات
تسعى الدولة إلى توفير الدواء المجاني للفئات المستهدفة غير أن المجهودات التي تقوم بها غير كافية، وكان قد وجه رئيس الجمهورية، المشير عمر البشير بتوسيع مواعين ومنافذ الصندوق القومي للإمدادات الطبية لتوفير الدواء المجاني والمدعوم للمواطنين في ولايات السودان كافة.
من جهته كشف مدير عام صندوق الدواء الدائري د.حسن بشير توفير الصندوق لأكثر من (40%) من الأدوية المجانية لكل مستشفيات وصيدليات الدواء الدائري، إضافة إلى توفير أدوية ومستلزمات غسيل وزراعة الكُلى وأدوية علاج السرطان.
وكان وزير الصحة الاتحادي بحر إدريس أبوقردة قد أقر بصعوبات تواجه تطبيق مجانية العلاج المجاني بنسبة (100%) بسبب تجاوزات من عدة جهات.
وقال أبوقردة إن ميزانية العلاج المجاني بلغت (125) مليار جنيه.
وأشار إلى أن هناك (17) صنفاً فقط من الأدوية يتم إحضارها من قبل الشركات الأصلية المصنعة، وعلى هذا الأساس تم التأكيد على أن الرجوع للدواء الأصلي هو الصحيح نسبة لحساسية هذه الأصناف من الأدوية.
*معدل الوفرة
مدير الصندوق القومي للإمدادات الطبية د.جمال خلف الله قال إن زيادة معدل الوفرة الدوائية بلغ (95%) وهو الحد الأقصى حسب المعدل العالمي.
وقلل من الحديث حول الأدوية منتهية الصلاحية، وقال إنها لا تتجاوز (1%) مقارنة بالمعدل العالمي المسموح به (3- 5%)، وأشار خلال مؤتمر صحفي منتصف الشهر الماضي، إلى أن استمرار دعم الصندوق لـ(50) صنفاً من الأدوية غالية الثمن بنسبة (40%) في المتوسط، بقيمة (55) مليون جنيه، والمحافظة على أسعار أدوية الأمراض المزمنة (11) نوعاً عددها (195) صنفاً دوائياً، لثلاث سنوات رغم تغيير أسعار الصرف، كاشفاً عن زيادة مشتريات الصندوق من المصانع الوطنية إلى (67) مليون دولار في العام الماضي.
وأضاف إن الصندوق طبق نظام الإمداد الإلكتروني كأول مؤسسة وطنية تعمل بالبيع الإلكتروني قبل إقرارها من وزارة المالية، لافتاً لوصول عدد زبائن البيع الإلكتروني إلى (2630) زبوناً، لبى الصندوق طلباتهم التي بلغت (22069) طلباً إلكترونياً.
و حددت إدارة الصندوق القومي للإمدادات الطبية (الهيئة العامة للإمدادات الطبية)، قائمة بأسماء الأدوية المجانية الأساسية التي يحتاجها الطفل وفق بروتوكول العلاج المتكامل لأمراض الطفولة، وهي أدوية علاج الحالات البسيطة وأدوية الحالات الحرجة التي تعطى كجرعة أولى قبل تحويل الحالة للمستوى العلاجي الأعلى، وعددها (21) صنفاً، تم تحديث للقائمة مؤخراً وأضيفت أدوية منقذة للحياة على مستوى المستشفيات.
وتم الاتفاق مع مصنع أميفارما لتوريد خمسة شرابات مختومة بواسطة ماكينة ليزر بكلمة مجاناً، وقام الصندوق القومي للإمدادادت الطبية بتخصيص رقم لبلاغات واستفسارات المواطنين عن علاج الأطفال، بجانب طباعة ملصقات توضح الأصناف وتنبه المواطنين لعدم التنازل عن حق أبنائهم في الحصول على العلاج المجاني.
أخر لحظة: عماد النظيف