في خواتيم ستينات القرن الماضي ابصر النور في قرية اوسلي بمحلية مروى فتى اختار له ابواه اسم محمد غير ان القدر كان يرسم مسارا له ليكون في شبابه شاعرا فحلا يختصر اسمه بـ”محمد احمد الحبيب” ويلقب بشاعر العابرات.
وقد نشأ “الحبيّب” بين اترابه ما بين صحراء ونهر تتمحور حياته حول تفاصيل القرية المترعة بـ”قواديس الحنين” نخلة وزرعاً ومنجلاً ومجداف قارب صغير ينقله الى جزيرة “بجبوج” لترسم خطا في لوحة حياته كما كانت ترتسم في ذات التوقيت شاعرية تنهل من معين الجروف لتشب على الطوق وما بين كل هذه التفاصيل كانت بذور الدين تبذر في ارض الفطرة فينشأ كما نشأ اهله متكولا على صوفية بعيدة تطويها الاذهان احياناً.
كانت محاولاته الشعرية خجلى في بواكير صباه لكنها بدأت تتفتح عندما دخل ثانوية “كورتي” التى جمعته وابناء من قرى مجاورة في داخلية كانت البداية لتشكيل عالم جديد خاصة وانه وطد علائق الصداقة ما بينه وزملائه ومنهم الشاعر كمال حسن محمد المنحدر من قرية الحجير المقابلة لاوسلي على الصفة الشرقة لنهر النيل، لتكتمل حينها شاعرية “الحبيّب” التى ارتكزت على مفردته الاساس لتعبر عن مكنونه الداخلي.
رغم ان الحبيب اشتهر باسم “شاعر العابرات” وهى سلسلة القصائد التى تعبر عن قصة حبه الاولى التى لم يكتب لها النجاح الا انه برع في كتابات اخرى ربما اهمها رثائه لصديقه من مدرسة كورتي عابدين “الفَجُر” الذي استشهدا في جنوب السودان والتى يقول فى احد مقاطعها
كـنــا زاحـفـيـن لـمــا فــرقــع
فــي طـريــق الـزحــف مـدفــع
والـفـجــر قـدامــنــا تــرتـــع
في عيونا الدنيا غمت لما شالوهو العساكـر
ولكن تظل العابرات العنوان الابرز لمسيرته خاصة وانها وصلت اكثر من ثلاثين قصيدة فما بين عابرة الاولى التى تعنى بها الفنان يعقوب تاج السر والتى تقول
ارويني ارويني
نهر الاماني سراب
يا عابرة دليني
لميني في الاصحاب
وما بين عابرة الثانية والثلاثون التي غناها الفنان محمد النصري والتي يقول مطلعها
زارني في عز المنام
شافن فعايل عابرة في
كانن غزالتينا حنان
يتهادى بيناتن جدي
يا ربي من حور الجنان
ام من خلا “الشيخ الهدي”
كان هناك تعامل كبير جمع ما بين الحبيب ورفيق دربه الفنان قرشي الحجير فقد برع قرشي في تلحين واداء العابرات جميعها لتكون من بعده مبزولة لبقية فناني الطنبور غير ان عابرة 14 “بت المداين” كانت الابرز بين الاغنيات التى اداها قرشي ولاقت رواجا كبيرا كونها مثلت عنوانا لالبوم اصدره قرشي خواتيم القرن الماضي.
النزعة الصوفية قادت “الحبيّب” ليلتزم المسيد ليعالج الكثير من آلام الروح التى فشل حتى عمله في شبابه في الامدادات الطبية ان يوفر لها وصفة دوائه تعالج لوائع قبله ليجد الملاذ اخيرا بين “حبات البَقِس” و”سبحة اللالوب” غير ان الشعر ظل ملازما له ايضا في دوحة المسيد.
اليوم السبت وبحدائق جياد عند مدخل جسر امدرمان “الفتيحاب” يستضيف منتدى الفنان قرشي الحجير الحبيب ضمن عدد من الشعراء وفناني الطنبور لتكون فرصة لعشاع شعر الحبيب لمعانقة حروفه.
الخرطوم: محجوب عثمان