(1)
إثر حادثة معهد المُعلّمين الشهيرة نوفمبر 1965 (شوقي محمد علي) خرجت الجماهيرالمُعبأة الشارع فدخلت دور الحزب الشيوعي بالعاصمة وعاثت فيها تحطيماً وترويعاً.. أسمى الأستاذ عبد الخالق محجوب ذلك المشهد بعُنف البادية، ثُمّ فيما بعد فشل انقلاب هاشم العطا يوليو 1971 فأعمل النميري مَشانقه ومَجَازره في قادة الحزب الشيوعي عَكسريين ومَدنيين، فأرّخ لتلك الأحداث الدكتور حسن الجزولي في كتابٍ أسماه عُنف البادية أي استعارَ وَصف عبد الخالق لأحداث أيام الحل، والكتاب في مُعظمه مُكرّسٌ لوقائع الأيام الثلاثة الأخيرة في حياة عبد الخالق والتي في نهايتها ذَهَبَ إلى حَبْلَ المَشنقة.
الأستاذ مُحمّد المبروك كَتَبَ مُستنكراً العنوان، واصفاً تلك الأحداث بأنّه لم يُشارك فيها ولا فرد من البادية ولو بذبح خروف، وأنّ كل المجازر في الشجرة أو بيت الضيافة كانت عاصمية مية المية!
(2)
لا أود أن أدخل حَجّازاً بين الدكتور الجزولي والأستاذ المبروك، بقدر ما أُريد التّوسُّل بالرمية أعلاه للقول إنّ هُناك عُنفاً آخرَ في مكانٍ آخر وهو عُنفٌ اقتصاديٌّ مَارَسَهُ أبناء ضواحي العاصمة تجاه الجنيه السُّوداني!
فالمعلوم أنّ أثرياء العاصمة مصدر ثروتهم من التجارة والصناعة والمُقاولات والذي منه.. وأهل الريف أهل زراعة ورعي.. ولكن المشكلة تُوجد في ناس ضواحي العاصمة المثلثة فهؤلاء (لا لامين جاي ولا لامين جاي)! فدخلوا العاصمة كتشّاشة، ثُمّ عندما ظهر التموين على أيّام نميري مارسوا تهريب المَواد التّموينيّة فجنوا منها أموالاً مُقدّرة، ولكن قدرهم الأكبر كان مع ظهور الاغتراب تجارة العُملة، فقد برعوا فيها وغامروا فيها ومارسوها كمَعَاشٍ، ثُمّ بعد أن أثروا منها مارسوها وكأنّها هواية فأوردوا الجنيه السُّوداني مورد التّهلكة، أي مارسوا عليه عُنفاً غير مُبرِّر إلا حُبّ الذات!! وللأسف الشديد لم يستثمروا تلك الفوائض في نَشَاطٍ إنتاجي، إنّما أنفقوها في المزيد من العُنف تجاه الجنيه المسكين ومكاواة الدولة!!
(3)
أها اليوم العلينا دا الحكومة قالت إنّ لديها سياسات نقدية ومالية جديدة لإخراج هذا الجنيه من العناية المُكثّفة، وهنا لا بُدّ من التنبيه لأبناء الضواحي المُشار إليهم لأنّهم هُم المُتحكِّمون في هذا السُّوق! لا بل جعلوا منه سوقاً مُنظّماً يَقدل بين الخلائق بكل ثقة وتصعب مُقاومته.. وعلى حسب الذي جاء من أخبارٍ أنّ سعر الصرف سَوف تُحدِّده لجنة لا صلة لها ببنك السودان أي غير حكومية.. عليه أتمنى أن يجد جماعة الضواحي المُمارسون للعُنف تجاه الجنيه السوداني مَكاناً في هذه اللجنة، مُمثلين لصرافات أو لبنوك لأنّهم ما شاء الله عليهم موجودون في كل مكانِ!
كل هذا لمُخاطبة الحس الوطني فيهم، أن يا جماعة كفاكم شبعتم وانتصرتم، ولكن هلاك العباد بالجوع سَوف يُؤدِّي إلى ضياع البلاد، فنحن وأنتم والجنيه السوداني في مركب واحدة فمَشُّوا أموركم بالقانون معنا!
سيكون جميلاً لو خاطبنا فيهم الحس الاقتصادي، أن يا جماعة استثمروا وفي ذات ضواحيكم في الزراعة والصناعة التّحويليّة لتصبحوا سادة السُّودان والعالم.. فلتقلع البرادات والطائرات من ذات ضواحيكم مُحمّلةً بالألبان والجرجير والفجل والكوسا.
وقديماً قالوا (الما بتقدر تصارعو صانعو).. ومثلما تَتَفَاوَض الحكومة مع الذين يَحملون السِّلاح وتُقدِّم لهم التّنازلات ليرموا السِّلاح، فلتُفَاوض الحكومة نَاسَ الضواحي ليُوقفوا مُمارسَة العُنف ضد الجنيه السُّوداني وتُقدِّم لهم التنازلات..!
السوداني