
بالمنطق ||صلاح الدين عووضة || ضاعت !!
*كانت ود نوباوي تغلي كالمرجل..
*وتحديداً محيط مسجد السيد عبد الرحمن…نهار تلكم الجمعة..
*وتداعى الأنصار…والأحباب…والأشياع…والأتباع ؛ من كل حدب ينسلون..
*فقد سرى بينهم (شيءٌ) سريان الماء في العروق الظمأى..
*وكانت عروقهم بالفعل ظامئة – سياسياً – لأي شيء يبعث فيهم روح الأمل..
*لم يكن الشيء هذا خبراً…رغم أن الخبر كان موجوداً..
*وإنما هو محض شعور انتقلت عدواه من أحدهم إلى الآخر…دونما تفسير منطقي..
*أما الخبر فلم يكن يعلم به سوى ثلاثة…فضلاً عن الصادق..
*وكاتب هذه السطور علم به بعد أن لم يعد (يفرق) ؛ العلم من الجهل..
*ولكن الشعور ذاك كاد يبلغ عنده مرحلة اليقين..
*وأحد العالمين هؤلاء بدا كفارس يتشوق للمبارزة الأولى في ساحة الوغى..
*إنه الأمير نقد الله الذي ظهر في حلة (على الله) أنيقة..
*وكان صاحب هذه الزاوية واحداً ممن حظوا منه بمصافحة صامتة… (ناطقة)..
*وجاءت اللحظة الحاسمة حين اعتلى المهدي المنبر..
*وفضاء ساحة المسجد الخارجية يمور بغبار زحام كأنه من بقايا معركة كرري..
*وتكلم الصادق المهدي ؛ وتكلم…وتكلم…وتكلم..
*وعقب كل كلمة يلامس هتاف (الله أكبر ولله الحمد) أقطار السماوات..
*وانتهى الكلام…دون أن يقول الصادق شيئاً..
*أو دون أن يقول (الشيء) الذي طال انتظار الحشود له طوال زمن الخطبة..
*بل – على العكس من ذلك – قال (شيئاً) محبطاً..
*طالب الأنصار…والأحباب…والأشياع…والأتباع…..بأن ينصرفوا بهدوء..
*وضاعت الكلمة المنتظرة رغم حديثه عن ضياع السودان..
*ولكن لم تكن الكلمة هذه وحدها التي ضاعت…وإنما (كلمة سر) أخرى..
*فالشيء كان في حقيقته شيئين…يشكلان شيئاً واحداً..
*أحدهما معنيٌّ به جماهير الأنصار والأمة (هنا)…والثاني جهة أخرى (هناك)..
*الأول يسبق الثاني…ويمهد له…ويهديه ذرائعه..
*والثاني يضحى وليداً شرعياً للأول…ووسيلة لغاية شرعية…هي استرداد الشرعية..
*ولسبب غير معلوم حتى الآن لم يحدث أيُّ من الشيئين..
*وربما هو غير معلوم حتى للثلاثة العالمين بهما ؛ عمر…ونقد الله…وعبد الرسول..
*أو على الأقل…لم يكن معلوماً لديهم في (حينه)..
*وقطعاً – وأجزم – ما كان النظام على علم بأيٍّ شيء…عن الشيئين..
*ولكن ربما كانت للصادق تقديراته الخاصة…في آخر لحظة..
*تقديرات تتعلق بالشيء الثاني…لا الأول..
*فالأول سهل…وتوافرت له أسبابه الموضوعية كافة..
*أما الثاني فيفتقر إلى توافر (ضمانات) العهود…والوعود…والمواثيق..
*ومن قبل…لم توف الجهة التي (هناك) بوعدها لوالد الصادق..
*ومن بعد…لم توف بوعدها لصهر الصادق..
*فكان أن أكثر الصادق – في ذلكم اليوم – من عبارة (البلاد ضاعت)..
*ولكن فرصة الشيئين أيضاً (ضاعت!!!).