دائما للسودانيين توق وشوق يحدوهم تجاه أرض الحرمين، وكل ما هل أحد مواسم الطاعات والبركات، تجدهم -أي أهل السودان- يتسابقون صوب هذه الأرض التي خصها الله تعالى بأن تكون موطن وموئل رسول الاسلام عليه صلوات من الله وسلام.. تهل مواسم منسك العمرة المتعددة، فيتهلل وجه السودانيين، ويزداد الشوق ويتضاعف في موسم رمضان، شهر الصيام والقيام، عندها تجدهم يضربون أكباد الطائرات، والبواخر صوب الحرمين.
وعندما تقترب أيام الحج، ركن الاسلام الخامس، تجد قلوب أهل السودان تنبض بحب هذا الركن، ولا نقول ذلك افتئاتا على الشعوب الأخري، فكل منها له موجدته وحبه وعشقه، ويستطيع أن يترجمه كيف شاء.. أما في السودان فتتعالى أمدوحات المصطفى التي لا تعرف بهذه الكثافة الا في السودان، وتجدها تطرق آذانك أكثر في هذه المواسم، موقنة بلازمة المحبة، ومؤمنة أن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يكوف بهما، يؤمن أهل السودان بمقولة دارجة، يلاقون بها كل من توفق باذن من الله لأداء الفريضة بقولهم : (المنادي نادى).. ونحمده تعالى أن (نادانا منادي الحج هذا العام).
أكتب هذا المقال، وأنا على متن الخطوط السعودية، في رحلة الحج، التي وجدنا فيها ترحب حار، وخدمة مستمرة لضيوف الرحمن.. وخدمة ضيوف الرحمن، هي خدمة مكملة للحرمين الشريفين والتي تتولاها حكومة المملكة العربية السعودية ويضطلع بها الملك سلمان خادم الحرمين الشريفين، الذي نال اللقب مثل الذين سبقوه في هذه الخدمة والمهمة المتصلة.. وهي خدمة ظلت تتطور عاما بعد عام، بل شهرا بعد شهر ويوما بعد يوم.
تعيش العلاقات السودانية السعودية في أسمى وأرفع أوقاتها لايمان السودان العميق بهذه العلاقة، ولايمان الرياض كذلك بالسودان كدولة جارة لها أهميتها في الخارطة الأفريقية.. واذا استمرينا في سرد أسباب هذه العلاقة لاحتجنا في ذلك الى كتب.. هي علاقة معلومة بالضرورة لعامة السودانيين ونخبهم، تجذرها قلوب السودانيين المحبة لتلك البقاع.. بلاد هي مهبط (الوحي)، وموئل المسجد الحرام، والمسجد النبوي، أرض سار على ثراها رسول الله وتنسم هوائها، وأرض سار فيها جبريل عليه السلام، وفيها قامت دولة الاسلام الأولى دولة النبوة التي رسخت الاسلام دينا للبشرية جمعاء.. لهذه العلاقة المتجذرة قدم الملك سلمان خادم الحرمين الشريفين حفظه الله (1000) فرصة حج لأهل السودان، كبادرة نادرة الحدوث، وظل الإخوة في السفارة السعودية في شغل متصل للوفاء بخدمة ضيوف الرحمن، واكتمل جهدهم بالوفاء بتنفيذ منحة الملك.
تأتي مناسبة الحج والشعب السوداني قد أكمل وتوج ثورته باتفاق المجلس العسكري ومجموعة الحرية والتغيير ، واعلان مصفوفة لتنفيذ الاتفاق، الذي انتظره أهل السودان كثيرا ليضعهم على جادة الطريق، لن نقول بأن الحلول وصلاح الحال سيأتي بعدم وليلة، ولن نظن أن المواطن سيجد كل مطلوباته ومستلزماته بين يديه، لأنه ببساطة أن الحكومة القادمة لا تملك عصا سحرية، لكنها حكومة تأمل في أن يصنع السودانيون مجدهم وبلادهم التي سيفخرون بها، ولن يتم ذلك بغير روح الجماعة، كل في مجاله.
نسأل الله أن يتقبل منا حج هذا العام.. ونتمنى ونبتهل اليه سبحانه وتعالى، أن يضع السودان أولى خطواته في طريق المجد بجهد بنيه وقيادته، ونتمنى أن تبدأ الحكومة الجديدة نشاطها بأسرع ما تيسر، وهذا يعني أن يتم تنفيذ مصفوفة الاتفاق كما جاءت.. ونسأله تعالى أن يبعد عن أهل السودان الشقاق والصراع وينفي عنهم أسباب الانقسام والتشرذم.
سودان برس