قرر صاحبهم العودة الى ارض الوطن، لكن هذه ليست المرة الاولى التي يجئ ليرجع، أو يسافر ويعود ليغادر الى خارج البلاد، من اجل انجاز مهام فكرية مُلِحّة، متى ما فرغ منها يقفل راجعاً ليتواءم مع الاخوة (بني وطنه).. يعود صاحبهم من غربته الأخيرة في مدينة الضباب، وربما تعلّم كثير ممّا يجعله يستمع للآخرين أكثر مما كان يُسِمعهم.
هذه المرّة تلقي الحبيب دروساً بالغة الشفافية في فقه التغيير الجذري، من أشقاءه في نداء السودان. تلقى والعاملين بمكتبه المتحرك محاضرات من الرافيق عبد الواحد أوغلت في نبش الماضي… ماضي الايام التي كان فيها الرجل على علم بالانقلاب، حينَ مهدَ له بتوضيحاتٍ عرقلت اتفاق السلام – اتفاق الميرغني قرنق – حتى وصل مع اخوانه في الله، الى حيِّز الاعتراف، بأنه لن يجر الشوك على جسده.
أنفق الحبيب العائد ساعات طوال أمام الرفاق في الجبهة الثورية لتبرير مواقفه (الوطنية)، فنفى بشكل حلزوني وجود ممثلين له داخل القصر الذي قُتِل فيه غردون،،، وغير ذلك مما يراه اختياراً شخصياً ديمقراطياً لابناءه الموعودينَ بوارثة المعارضة إن أفلحت، والحكومة إن سقطت.
ولكن، ما أن أفصَح الحبيب عن رغبته في العودة للخرطوم، حتى عاجَله زعيم أهل القبلة في داخل التنظيم بتصريح يقول فيه إن البعض – وكأنه يعنيه بها – إن البعض يتخذ من (الهبوط الناعم) مخططاً للاطاحة بدولة الشريعة.. وحكمتو بالغة في هذا الهبوط، الذي يعشعش كثيفاً في ذهن الحبيب ولا ترضى به الحكومة، ولا قوى الاجماع الوطني.
هذا الهبوط الذي يبدو خشناً، يشبه إلى حد كبير مجهودات البنك المركزي في التجديد اليومي لسعر الصرف، او هو حالة كاصرار رئيس الوزراء الجديد على بث مؤتمرات مجلسه من خارج العاصمة القومية، أو هو كصعود (الهلال) بطلاً للدوري إثر هزائمه المتلاحقة في كافة المحافل الاقليمية والدولية.
يعود ان تمكن بحركته الماكوكية من وإلى داخل المؤتمر الوطني، من تزهيد العامة والخاصة في المستقبل، إذ أصبحوا على مسرح اللامعقول، قابَ قَوْسَين أو أدنى مِن الكُفر بالوطن / الإنسان.. يقول صاحبكم ان هذا السودان واعِد، وبما أنه واعد فإنه مستهدف، وأنه يعود في هذا التوقيت من أجل اشعال انتفاضة سلمية، من أجل حماية اللُحمة الوطنية، من أجل فترة انتقالية تعقبها حكومة ديمقراطية كتلك التي كان رئيسها.
يعود وهو على اعتقاد راسخ بأنه غاندي، أو هو فيصل العجب، بل هو رئيس النادي، ورجل الخط أيضا.. يعود الى احبابه في الداخل بعد لقاء مع القائم بالاعمال الامريكي الذي اجتمع بقوى نداء السودان في لندن، وبعد أن زار قوش امريكا، و بعد أن شغلَ الناس يتنظيراته المتجددة ومفرداته الرشيقة، حمّالة الاوجه، المثيرة للجدل.. يعود ليتحف الجمع الكريم بجدعاته تلك، التي تشعل الساحة السياسية، وتشغلها حينا من الدهر….. يعود حردان السوق، وحردان السوق مين يَرضّيه؟
سودان برس