(1 )
رحم الله العالم الجليل البروفسير عمر الباقر، أستاذ علم الإدارة بالجامعة الإسلامية الذي رحل عن دنيانا الفانية لسنوات خلون، فقد كان لديه رأي في النمط الإداري المتنامي في الجامعات السودانية. فالبروف يرى أن تكون الأجسام الرسمية في الجامعات هي الكليات فقط لا شيء غير الكليات حتى المعاهد المتخصصة يجب أن تكون تابعة للكليات وكان يرفض رفضاً باتاً الإدارات المستحدثة مثل الجودة والخريجين والمجاهدين والتقويم والدراسات العليا و… إذ كان يرى كل هذه المسميات الجديدة يمكن أن تكون جزءاً من هيكل الكلية المعنية، وكان يرى أن يعتمد مدير الجامعة في إدارتها على مجلس العمداء، (عمداء الكليات) فقط، ولا يعلو هذا المجلس إلا مجلس الأساتذة (السنيت). فقرارات مجلس العمداء لا يراجعها ولايبطلها إلا مجلس الأساتذة بتكوينه المعروف. لو سمع الناس نصيحة البروف عمر الباقر لكانت جامعاتنا لا تشكو من هذا الترهل الإداري ولكانت القرارات أعجم عوداً ولكانت الموارد أكثر حفظاً ولكانت المكافآت والحوافز أعدل توزيعاً، فالجامعات اليوم تعاني من مفارقة كبيرة في توزيع مصروفاتها وايراداتها فالإدارات العليا تستأثر بكل شيء بينما الوظائف الوسيطة والدنيا تجدع الكلب بارك من الفقر. وأكاد أجزم لو أن ايراد الجامعات من دراسات عليا ورسوم شهادات وبرامج متخصصة وغيرها، موزعة توزيعاً عادلاً، لما هاجر أستاذ جامعي واحد. فالظلم الواقع على الأستاذ الجامعي يبدأ من جامعته ثم بعد ذلك يأتي ظلم البلد العام وهذه قصة أخرى.
(2)
دعونا نطبق ما دعا له البروفسير عمر الباقر على الحكومات والدولة، فنطالب بأن تدير البلاد الوزارات فقط ولاشيء غير الوزارات. هذه الوزارات بعد ترشيقها – جعلها رشيقة – كأن تكون خمس عشرة وزارة فقط ثم تحديد صلاحياتها بحيث لا تتضارب الاختصاصات ثم تقويم هياكلها بحيث تحكمها قواعد موضوعية في التوظيف والتدرج الوظيفي والاستمرار والفصل من الخدمة والحوافز والعقوبات، هذه القواعد تطبق على الخفير والوكيل بمعيار واحد، أما الوزير فتعتبر وظيفته وظيفة سياسية ولكن مهمته محددة وواضحة وهي انه حلقة الوصل بين الوزارة والأجسام السياسية كمجلس الوزراء والبرلمان ورئاسة الجمهورية، وليس من حقه النظر إلى أسفل الوزارة. فعندما تكون الوزارات والوزراء بهذا التكييف على رئيس الوزراء أن يعتمد على مجلس وزرائه اعتماداً كاملاً في إعداد الميزانية وكيفية صرفها ثم إدارة دولاب الدولة من الألف إلى الياء، وعلاقة الحكومة بالبرلمان تظهر في الرقابة والتشريع. بهذا سوف نجد أنفسنا أمام حكومة رشيقة واضحة المعالم والحدود عالية الفعالية مترعة الشفافية.
(3)
إذا اتفقنا على أن الجامعة كليات والحكومة وزارات، علينا كنس الكثير من الأجسام السياسية التي تنازع الوزارات المهام وتقوم بأعمال ضرار وتزيد الإنفاق الحكومي وتحدث ثغرات تضر بالكثير من السياسات. فوزارة المالية ينبغي أن تكون لها الولاية على كل المال العام في البلاد لا شركات حكومية ولا شركات رمادية حزبية لا تجنيب ولا ميزانية نقد محلي أو أجنبي منفصل. وزارة الخارجية هي المناط بها كل سياسات البلاد مع الآخر حتى الدبلوماسية الرئاسية يجب أن تكون مرجعيتها وزارة الخارجية، وزارة الدفاع مسؤولة عن أي طلقة في البلاد إن شاء الله من بندقية ابوعشرة، وزارة التجارة مسؤولة عن أي موزة في ملجة الخرطوم أو ملجة جدة، وهكذا بالطبع كل هذا لا يتنافى مع السياسات العامة كزيادة التركيز على القطاع الخاص، فالوزارات عملها تنظيمي وهي التي تربط بين المركز والولايات وبين الداخل والخارج وبين القطاعين العام والخاص، فمن فضلكم أعيدوا للوزارات دورها شريطة أن يكون الوزراء على ذات القدر من المسؤولية ولو جاءوا بمحاصصة حزبية. أما الوكيل وإنت نازل فهذه ينبغي أن يكون ما فيها لعب.
السوداني