لم تعلن الرئاسة عن أجندة المؤتمر الصحفي العاجل والذي حدد له الرابعة ظهرًا بعناية .. حضر الرئيس برفقة رئيس البرلمان وكانت تلك سابقة غير معهودة خارج القبة البرلمانية.. لم تنته المفاجآت بحضور مدير جهاز الأمن بصحبة النائب العام.. وزير رئاسة الجمهورية قام بتلاوة تفاصيل الذمة المالية لرئيس الجمهورية كافلًا للحضور فرص الفحص والتدقيق.. بعدها خاطب الرئيس الحضور مؤكدًا أن الدولة بكافة آلياتها ستتوجه لمحاربة الفساد.. وأن هنالك خطًا ساخنًا بجانب موقع إلكتروني لكل من يملك معلومات عن شبهة فساد حتى لو تعلقت به شخصيًا.. كما أضاف الرئيس أن ثمة حوافز مالية لكل من يعين الدولة في الحرب على الفساد.
قارئي العزيز لا تتعجل بتحسس رأسك أو حك عينيك.. المشهد السابق لحدث لم يحدث بعد.. لكن هذا بالضبط ما تحتاجه الحرب على الفساد.. حتى هذه اللحظة يتحرك بحماس زائد جهاز الأمن الوطني.. المؤسسات الأخرى لا تكتفي بالنظر بل أحيانًا تحاول المقاومة كما حدث في رفع الحصانة عن النائب فضل محمد خير.. بالطبع ذاك لا يعني تجريم المتهم أو التشكيك في دوافع رئيس البرلمان في التعنت في أمر رفع الحصانة .. بل يثبت أن بعض مؤسسات الدولة ما زالت تنظر بتردد إن لم يكن مقاومة فيما يلي الحرب على القطط السمان.
الحرب على الفساد تحتاج لتشريعات جديدة .. أغلب الظن أن ضعف القوانين مع انخفاض سقف الحريات جعل الفساد يعشعش ثم يبيض في زوايا الدولة المعتمة.. تطبيق القوانين يحتاج إلى صرامة من أجهزة العدالة.. هنالك الآن مؤسسات غائبة أو مغيبة مثل نيابة الثراء الحرام أو ديوان المظالم.. بل أن مفهوم الفساد ما زال قاصرًا على جريمة انتهاك حرمة المال العام.. وهنالك جرائم أخرى تتعلق باستغلال النفوذ أو انتهاك حقوق الإنسان السوداني لم يتم التطرق إليها من قريب أو بعيد.
الحرب على الفساد تحتاج إلى مظلة رئاسية واسعة وحماية من البرلمان وفعالية من أجهزة تحقيق العدالة.. بل تحتاج إلى سقوف أعلى في الحركة مع الاستعداد لتقديم كباش فداء من الوزن الثقيل.. بل الأهم من ذلك التحسب للثمن الاقتصادي خاصة في المدى القريب.. الحديث عن الفساد بشكل مكثف خاصة المرتبط بقطاعات ذات قاعدة واسعة من المساهمين مثل البنوك يقلل من الثقة.. بل ربما يخلق مناخًا طاردًا للاستثمار.. كل ذلك في الأجل القريب وبتكلفة اقتصادية.. لكن في المستقبل القريب سيجني الجميع ثمرات وطن شفاف وخالٍ من الفساد المنظم.
في تقديري المخالب الرئاسية مهمة جدًا في الحرب على الفساد.. قبل سنوات تبنى الفريق قوش وعدد من مساعديه فكرة قيام مستشاريه للأمن القومي .. المؤسسة تماثل أخريات في العالم الأول.. المستشارية ومنذ أيامها الأولى شرعت في تشخيص الآلام الوطنية.. بل تحركت بجرأة في ملف الحوار الوطني والتقت رموز المعارضة .. رصاصة واحدة أصابت المستشارية في مقتل.. رجال في القصر أوحوا للمراجع العليا أن رجال المستشارية تخطوا الخطوط الحمر.
بصراحة.. سيشكك كثير من الناس في جدوى وأهداف الحرب على الفساد.. منهم من يعتبرها مجرد جسر انتخابي للعام ٢٠٢٠.. وفريق سيعتبرها فقط تصفية حسابات بين أتراب مشروع سياسي تفرقت بهم الأهواء.. المظلة الرئاسية تجعل الحرب على الفساد مشروع دولة ينطلق من رؤىً إستراتيجية.