تحقيق: لبنى عبد الله
كشفت جولة للجريدة بمدينة الصفوة السكن الشعبي بمحلية أمدرمان بمدارس مرحلة الأساس عن تردي الوضع البيئي بالمدارس واكتظاظ بالصفوف وانعدام مراوح التهوية والافتقار لخدمة الكهرباء والمياه ونقص الإجلاس إذ توجد بمدرسة الصفوة لمرحلة الأساس بنات (900)طالبة أمام (90) كنبة (مع عدم وجود مصدر لمياه الشرب تلك.. وكشف مديرو تلك المدارس عن وجود (650) تلميذاً وتلميذة لا يتلقون وجبة الإفطار بسبب الفقر.. ويقول مدير مدرسة الصفوة بنين بمربع 6 إنه عند مجيء زمن وجبة الإفطار يجد أطفالاً بمرحلة الأساس الصف الأول يبكون من الجوع الأمر الذي يضطره لتقسيم إفطاره المكون من عدد (2) رغيفة على الأطفال الذين يدرسون بالصفوف الأولى، موضحاً أن عدد الأطفال من الأولاد الذين لايملكون ثمن وجبة الإفطار 250 تلميذاً.
تردي الوضع البيئي:
وشكا مجموعة من سكان المنطقة الذين تحدثوا للجريدة من معاناتهم بسبب تلوث مياه الشرب بالإضافة إلى عدم توفر الخدمات الطبية..
تقع مدينة الصفوة الإسكان الشعبي في الاتجاه الغربي لمحلية أمدرمان ويوجد بها حوالي 1714 منزلاً ومركز صحي واحد، وعدد (6) مدارس خاصة ومدرسة حكومية واحدة للبنين وأخرى للبنات.
في نهار قائظ وصلنا إلى حي الصفوة والذي يبعد أربعين كليو متر من الخرطوم.. وكان هناك من ينتظرنا للتطواف على مدارس مرحلة الأساس بالمنطقة للوقوف على أحوال تلكم المدارس.. وكانت البداية بمدرسة الصفوة مربع (6) بنين وكانت وقتها درجة الحرارة أكثر من أربعين.. والجميع يتصبب عرقاً.
في المدرسة:
دلفنا إلى مكاتب المعلمين وتحديداً مكتب المدير ولم تكن الكراسي كافية لإجلاسنا إذ يوجد كرسي واحد فقط، نادى المدير على أحد التلاميذ ليحضر مقاعد لإجلاسنا فلح التلميذ في إحضار مقعد واضطر المدير للجلوس على التربيزة حتى يكرم ضيافتنا في المكتب.
في مكتب المدير
يقول عصام علي مدير مدرسة الصفوة بنين بمربع (6) إن المدرسة تعاني من الاكتظاظ وبها نهر واحد إذ يوجد بالصف ما بين (120-150) تلميذاً واشتكى من الازدحام بالمدرسة ونقص الإجلاس إذ تلاحظ جلوس العدد الأكبر من الطلاب بالصفوف أرضاً، وفي زيارة للصف الثالث كان العرق يتصبب من التلاميذ ويحس الداخل للصف بالاختناق لعدم وجود مراوح تهوية وعزا المدير ذلك الأمر لتعرض المراوح التي كانت بالصفوف للسرقة وذلك بإنزالها من سقوفات الصفوف مما خلق أجواء (كاتمة) ومعاناة بسبب الازدحام وتقارب الطلاب من بعضهم البعض..
وتلاحظ أن المدير وبعض المعلمات يعانون من التهاب في الحبال الصوتية وانخفاض في أصواتهم وصعوبة في الكلام، وذكر لنا مدير المدرسة أن السبب الأساسي التحدث بصوت عالٍ داخل الصفوف نتاجاً للازدحام وعادة لا يسمع االطلاب في آخر الصف أصوات المعلمين أثناء الدرس لوجود تململ وهمهمات من قبل التلاميذ بسبب الازدحام وسخونة الأجواء، بالإضافة لوجود نقص في المعلمين، الأمر الذي يضطر مدير المدرسة لتدريس عدد(20) حصة في الأسبوع ..
250 تلميذاً بدون (فطور):
وذكر مدير المدرسة أنه وفي (فسحة) الفطور يجد الأطفال بالصفوف الأولى بالقرب من مكتبه يبكون وعندما يسألهم عن سبب بكائهم يقولون له (نحن جعانين ما عندنا فطور) وقال إن ذلك الأمر يضطره لتقسيم وجبة الإفطار الخاصة به لمن يحضر أولاً موضحاً هنالك تنافس من قبل الأطفال للحضور لمكتبه حتى يتحصلون على (لقمة) ربما حركت الجوع بأحشائهم أكثر من كونها أشبعتهم.. وقال إن ذلك الأمر يحزن المعلمين الذين يعجزون عن توفير إفطار للتلاميذ العاجزين.
المعلمون معاناة تتمدد:
وتقول حنان خضر معلمة بمدرسة الصفوة أساس بنين إنهم أيضاً كمعلمين يعانون من ضعف المرتبات وذكرت بقولها أعمل منذ أكثر من (15) عاماً وراتبي (2) ألف وحتى هذه لا نستطيع صرفها (بي أخوي إلى أن تحويل المعلمين لصرف مرتباتهم عبر بطاقة الصراف الآلي مشكلة كبيرة.. وقالت إن الشهر انتصف وقارب على نهايته وفشلت في أن تجلب لها البطاقة عبر الماكينة مرتبها ورددت (قصدت الصراف ولم تكن به نقود) وكنت لا أملك غير خمسة جنيهات وكانت أسرتي المكونة من (3) بنات ووالدهم ينتظرون قدومي (بكيس الملاح) وعندما فشلت في الحصول على مرتب قمت بشراء عدد( خمسة عيشات وقرضناهن وشربن عليهن موية) وطالبت وزارة التربية والتعليم بعودة صرف المرتبات بالطريقة التقليدية لكونها ميسرة رغماً عن ضآلة المرتب.. وقالت إن المعملين يعانون بسبب ضعف العائد المادي ورددت (انظروا لملابسنا الرثة وثيابنا البالية.. ورددت أغلب المعلمين تجد ياقة أقمصتهم ممزقة وقديمة ) وطالبت وزارة التربية بضرورة زيادة رواتب المعلمين حتى توفر لهم الحد الأدنى من العيش الكريم .
بالرغم من أن المسألة كانت غير مقبولة…
السمة البارزة للمدارس الأساس الاكتظاظ والذي يظهر للزائر لتلكم المدارس إذ يرى الناظر للصفوف الأطفال وهم يجلسون أرضاً (حتى عتبة) الصف مدخل الباب يجلسون على أرضية أسمنتية مخلوطة (بحجارة الخرصانة أو الحصحاص) وهو ما لا يقوى على تحمله الكبار فكيف بالأطفال ؟؟؟
في مدرسة البنات :
عقارب الساعة تقترب من الواحدة والنصف ظهراً عند مدخل الباب تزاحمت الطالبات بمدرسة الصفوة مربع (4) على برميل بلاستيكي أزرق اللون كان البرميل أكثر علواً والطالبات اللائي تراوحت أعمارهن بين السابعة والعاشرة يتنافسن للحصول على ماء من (قعر البرميل) والذي ظهرت فيه مياه لونها يميل للأحمر وكانت الطالبات يستخدمن (جك بلاستيك لغرف المياه) وكبها في قارورات لزميلاتهن بالتناوب، ونسبة لقصر طول التلميذات اضطررن لجعل البرميل في وضع مائل لجهة أن المياه بداخله كانت في آخرها مع ملاحظة أن البرميل كان موضوعاً تحت شجرة شحيحة الظل والأوراق، وتسللت أشعة الشمس لتسكن بداخله مما جعل الماء سخناً في البداية كنا نظن أنها مياه مخصصة للوضوء ولكن علمنا من التلاميذات أنها مياه للشرب ويتم شراؤها من “الكارو” وذكرت لنا مديرة المدرسة أن المدرسة تفتقر للكهرباء ولإمداد المياه كما لاتوجد عاملة نظافة بالمدرسة.
محدودية القبول ونقص الإجلاس:
وشكت المديرة من تعرضهم للاعتداءات المستمرة من قبل أولياء أمور التلميذات بسبب محدودية فرص القبول وتقول نعمات إسماعيل مديرة مدرسة البنات بمربع (4) إن وزارة التربية حددت (65) فرصة فقط لقبول التلميذات بالصف الأول وأن العدد للمتقدمين للقبول أكثر من (100) وهناك (زيادة) وذكرت أن هنالك أولياء أمور يحضرون بناتهم من منطقة الحلة الجديدة أمدرمان لاستيعابهن.. وعندما نعتذر بأن الفرص أغلقت نتعرض للتهديد ولاعتداء من قبل أولياء الأمور، وشكت من نقص الإجلاس.. وكشفت عن وجود (90) كنبة أمام (900) طالبة بالمدرسة، وحكت عن تعرضهم لاعتداءات كثيرة أثناء العام الدراسي آخرها كان من قبل شقيق إحدى التلميذات بالصف الأول بسبب أن التلميذة (طويلة) وعادة يتم إجلاس طويلي القامة في آخر الصف وقصيري القامة في أوله.. وتم وضع التلميذة في آخر الصف وذهبت واشتكت لشقيقها الذي حضر إلى مكتبي بالمدرسة يحمل سكيناً وهددني ومجموعة من المعلمين، وذكر لنا بقوله (البفتح خشمو بشرطو) وذهب للصف وأجلس شقيقته في الصفوف الأمامية واعتدى على التلميذة التي تم إجلاسها في الصف الأمامي بدلاً عن شقيقته، وذكرت بقولها إنهم كثيراً ما يتعرضون للتهديد مما يضطرهم لفتح بلاغات، وأوضحت أن هنالك تهديداً في حال اعتذرنا عن قبول طالبة.. ومثلت لذلك بواقعة لأحد أولياء الأمور والذي ذكر بقوله (ما علي كيفكم تقبلو بتي رجالة) وطالبت وزارة التربية بالعمل على زيادة أعداد فرص القبول للطالبات وتوفير حماية للمعلمين في المناطق الطرفية .
مياه الشرب :
يقول السر مصطفى عضو اللجنة الشعبية سابقاً إن المنطقة تعاني من تلوث المياه والتي تأتيهم من الآبار وذكر أن لونها عادة يتغير للون الأحمر، موضحاً أن أغلب السكان يعانون من آلامٍ في الظهر ومن التهابات البول الأمر الذي اضطرهم لحمل عينات تم فحصها بالمجلس الأعلى للبيئة.. وكشفت نتائج تحليل مياه الشرب بمدينة الصفوة الريف الجنوبي أمدرمان الإسكان الشعبي بمحلية أمدرمان البئر الكائنة بمربع (7) والتي تحتوي على نسب عالية من الحديد إذ تم فحص معملي لمياه مربع 7 واثبتت نتائج الفحص التي تحصلت (الجريدة) على نسخة منها والتي تم أخذها من مياه البئر الواقعة شمال المربع، وحسب النتيجة التي تحصلت “الجريدة” على نسخة منها عدم صلاحيتها للاستخدام الآدمي حيث أن نسبة الحديد فيها 9.4% والمسموح به للاستخدام البشري أقصاه 3.0%، ويقول السر مصطفى عضو اللجنة الشعبية سابقاً، ومن سكان الحي أن مربع 7يقطنه 12600مواطن، وقال تقدمنا بشكاوى لكل الجهات ذات الصلة والتي من بينها صندوق الإسكان والتعمير والمجلس الأعلى للبيئة.. ولكن لم نجد استجابة مما يجعل حياتنا مهددة بخطر، وكشف عن تلقيه تهديداً من قبل المسؤول الأمني بالحي عقب مخاطبته للمواطنين بعدم استخدام مياه البئر، وطالبه بأن يحتفظ بالتقرير الذي يكشف التلوث ولا يعرضه مجدداً، ولكنه عاد ليقول إن أغلب السكان من ذوي الدخل المحدود وليس لديهم خيار، وانتقد صندوق الإسكان والتعمير والذي أغلق منهم البئر بمربع (6) وقال إن كل المياه ملوثة وأن هنالك 160000صحتهم مهددة جراء تناولهم مياهاً ملوثة وكشفت نتائج فحص المياه التي قام بها المجلس الأعلى للبيئة عدم صلاحية المياه للاستخدام الآدمي، في ذات السياق اشتكى مجموعة من مواطني الحي من إصاباتهم بألم في الظهر، ويقول الحاج خلف الله إن جميع المصلين بالمسجد يشكون من التهابات البول وآلام الظهر، في زيارة للجريدة لمركز طيبة الخيري بمدينة الصفوة أن أكثر الأمراض تردداً على المركز التهابات البول والنزلات المعوية لاعتماد المنطقة على مياه الآبار الجوفية.
في المركز الصحي:
وفي زيارة لمركز طيبة الخيري أوضح المدير الطبي بالمركز أن أكثر الأمراض تردداً على المركز التهابات البول والنزلات المعوية والتايفويد، وعزا هذه الأمراض لتلوث المياه التي تأتي من الآبار الجوفية ومتبقي الأسمدة بالخضار، كاشفاً عن تردد 12 حالة تايفويد في الأسبوع وذكر أن بالمركز معملاً لتحليل الدم، وذكر أن تذكرة الدخول للطبيب رمزية عبارة عن 25 جنيهاً للمقابلة، في ذات السياق كشفت دكتورة كوثرمحمد الحسن عن معاناة الأمهات الحوامل مؤكدة أن أغلب المترددات على المركز يعانين من فقر الدم ونقص الهيموقلوبين.. وذكرت أن هنالك مشكلة وفيات الأطفال من عمر يوم لسنتين كاشفة عن وجود أكثر من (9) وفيات خلال الشهر بسبب سوء التغذية، بالإضافة لارتفاع نسبة الاجهاض وسط الأمهات.. وقالت ليست لدينا احصاءات دقيقة .
صحيفة الجريدة