تقرير: مرتضى أحمد
في الوقت الذي كان يقف فيه الأطفال والعجزة في الصفوف أمام المخابز لساعات طوال للحصول على عدد قليل من الخبز يسد الرمق، ويئن الغلابى من موجة الغلاء الفاحش، كان البرلمان منشغلاً بملاحقة الصحفيين وحرمانهم من دخول مبانيه في مشهد أثار سخرية الكثيرين تجاه المؤسسة التشريعية وتصرفاتها وتحركاتها المدهشة.
وعلى النقيض فقد كرست المؤسسة التشريعية جهدها في سلسة اجتماعات، لم تكن لمناقشة الأزمات التي تلاحق البلاد، وإنما لتحديد مصير مندوبي الصحف وما إن كان سيسمح لهم بالدخول أم لا؟ وبأي كيفية وبأي إجراء؟ في وقائع عكست أبهى صور المزاجية من ناحية. ومن ناحية أخرى استشف منها كيف أن البرلمان يغرد خارج السرب ويهتم بقضايا انصرافية ويتخلى عن مهامه الأساسية – بحسب ما يراه مهتمون.
وفي عز الأزمات والضائقة المعيشية، آثرت قيادة البرلمان ومستشاريها (تكشير) ما لديهم من أنياب تجاه الصحفيين نسبة لأرتكابهم جريمة مسماة بــ(النقل السالب للأنشطة) عوضاً عن محلاحقة وزراء الجهاز التنفيذي ومساءلتهم بشأن الغلاء والنقص في الخبز والمواد البترولية، وفشل المصارف في تغطية احتياجات العملاء من النقد لا سيما أيام عيد الأضحى المبارك، حيث لم تسجل المؤسسة التشريعية أي موقف تجاه هذه الضائقة رغم أنها جاءت كإفراز لموازنة العام المالي لسنة 2018م وما تضمنته من سياسات حارقة مررها البرلمان على أنغام (الصفقة) و(التهليل).
وبعد مضي حوالي شهر من الصراع غير المتكافئ الذي قاده رئيس البرلمان إبراهيم أحمد عمر ومستشاره عبد الماجد هارون، مع مندوبي الصحف في البرلمان تراجعا عن قرار تغييب الصحف عن أنشطة البرلمان ودون أن يوضحا أسباب التراجع بعد أن كانا مصممين على منع الصحفيين إلى حين افتتاح دورة الأعمال الجديدة أكتوبر المقبل. لينهيا بذلك صراعاً في غير معترك مع الصحف وبقيت الأزمات المعيشية ومعاناة المواطنين التي لم يشأ أن يحقق البرلمان فيها أي إنجاز يحسب له – وفق لما رآه نواب برلمانيون.
وتقول النائبة البرلمانية عن حزب الأمة الفيدرالي حياة آدم عبد الرحيم، إن البرلمان قصر بشكل كامل في التعاطي مع الضائقة المعيشية التي مرت وما تزال بالشعب، وأضافت: (نتأسف لهذا التقصير ومن يقول خلاف ذلك مكابر)، وأشارت الى أنها كانت تتوقع أن يعقد البرلمان جلسة خاصة طارئة لمناقشة الضائقة المعيشية وحالة الذل والهوان التي يعيشها المواطن السوداني، بعد أن أجاز تلك الميزانية الكارثية التي جعلت من الحكومة والشعب متسولين يطرقون كل الأبواب للبحث عن القروض ولو كانت ربوية.
وأضافت النائبة حياة، خلال تصريح لـ(الأخبار): (كان بذات القدر من الاجتماعات والاهتمام بموضوع الصحفيين الذين تم طردهم من البرلمان أن يهتم المجلس بمعاش الناس لأننا مسؤولين أمام الله وأمام القسم الذي أديناه وأنه لو تعلمون لقسم عظيم.. أنا لا أبرئ نفسي لأني تحت دائرة الاتهام وأعلم تماماً أن كل شخص آتٍ حسابه يوم القيامة فرداً ولكن أضعف الإيمان الاعتراف بالتقصير اللهم اشهد أني قد بلغت.. الله غالب والله المستعان). وتابعت: (تغاضى البرلمان عن ذلك وتناسى محنة المواطن ولكن الله يمهل ولا يهمل).
ولم يذهب القيادي في المؤتمر الشعبي والنائب البرلماني كمال عمر، بعيداً عن رأي النائبة حياة آدم، حيث يشير الى أن البرلمان لم ولن يستطيع فعل شيء في ظل نظام دستوري معلول ولا يرجى منه شيء فهو مجرد (شو) وقال عمر: (البرلمان ليس له ما يقدمه خلافاً للاستماع الى تقارير الوزراء التي في الواقع لا تعدو عن كونها مجرد مكياج سياسي لا تساهم في حل الضائقة المعيشية).
وقال كمال عمر في تصريح لـ(الأخبار) إنه يساند بقوة حرية الصحافة ولا يقبل مطلقاً التعرض لها لأن الصحفيين يقومون بدور أكبر من طاقتهم ويسلطون الضوء على مناطق الخلل بصورة جريئة ويدفعون الثمن. وأضاف: (الصحافة السودانية سلطة رابعة حقيقية وتقوم بدور أعظم من الأحزاب والجهاز التنفيذي والبرلمان نفسه فلا ينبغي التعرض لها).
فيما أكد النائب المستقل في البرلمان مبارك النور أن البرلمان أهمل الضائقة المعيشية بشكل كبير ولم يواجهها إلا في مناسبات وتحركات محدودة، بل وقف حجر عثرة أمام دعوات بعض النواب لمساءلة وزراء الجهاز التنفيذي بشأنها. وقال النور لـ(الأخبار) إنه طرح خلال أشهر عقد جلسة طارئة لمناقشة الغلاء، ولكن قيادة البرلمان لم تتفاعل معها، وفي مفارقة محزنة عقدت جلسة طارئة لتمديد حالة الطوارئ بولايتي كسلا وشمال كردفان.
وشدد مبارك النور على ضرورة لفت الانتباه إلى المجهود الفردي الذي قام به بعض النواب الذين ظلوا يتناولون قضية معاش الناس المهملة، باستمرار في الصحف وغيرها وأتت تحركاتهم بنتائج إيجابية ملموسة. وطالب النور بضرورة أن يغير البرلمان من نهجه الحالي في التعاطي مع قضايا المواطنين ويعلن حالة استنفار واسعة وأن يخصص الفترة القادمة إلى قضايا ندرة الخبز والمواد البترولية وشح السيولة وكل الأزمات التي تلاحق المواطنين والتخلي عن الاهتمام بالقضايا الانصرافية التي من شأنها العصف بسمعة ومكانة المؤسسة التشريعية.
صحيفة الاخبار