جاء إعلان خبر ترشيح الرئيس الأميركي دونالد ترامب الجنرال المتقاعد جون أبي زيد لتولي منصب سفير الولايات المتحدة لدى السعودية، ليعيد تذكير الدوائر في واشنطن بغياب خالد بن سلمان -السفير السعودي لديها- لأكثر من شهر كامل دون وجود أي إشارات على قرب عودته.
وكان السفير السعودي بواشنطن قد غرّد، يوم الثالث من أكتوبر الماضي، عن لقائه بزعيمة الأقلية الديمقراطية في مجلس النواب نانسي بيلوسي بمكتبها، للبحث في القضايا المشركة بين الدولتين.
وتضمنت تغريدة السفير صورة تجمعهما، لكن نشاطه على منصة تويتر تجمّد منذ ذلك اليوم بعد انتشار أنباء عن اختفاء الكاتب الصحفي السعودي جمال خاشقجي عقب دخوله قنصلية بلاده في مدينة إسطنبول التركية يوم الثاني من أكتوبر.
وكانت آخر مرة استخدم فيها السفير توتير يوم 24 من الشهر الماضي، عندما تأكد مقتل خاشقجي، إذ غرد قائلا “سمو سيدي ولي العهد وضع النقاط على الحروف في قضية جمال خاشقجي، رحمه الله، مؤكداً سموه أن هذا الأمر المؤسف لا ينسجم مع مبادئ المملكة وقيمها، وأن المملكة ستتخذ كل الإجراءات القانونية وستستكمل التحقيقات بالعمل مع الحكومة التركية للوصول للحقيقة وتقديم المذنبين للمحاكمة لمحاسبتهم”.
وبعدها بدقائق، غرّد معزياً عائلة خاشقجي بالقول “أتقدم بخالص العزاء الى أسرة المواطن جمال خاشقجي، رحمه الله. ما حدث له آلمنا جميعاً. نسأل الله له المغفرة ولأهله الصبر والسلوان”، ثم توارى ولم يغرد بأي شيء على تويتر حتى الآن.
مغادرة وأسئلة
وكانت مغادرة خالد بن سلمان لواشنطن وسط أزمة خاشقجي مدعاة لطرح الكثير من الأسئلة، إذ إنه نفى بصورة قاطعة -في بيان أرسله للصحفيين يوم الاثنين 8 أكتوبر الماضي- أي علاقة لبلاده باختفاء الصحفي، ونصح بضرورة انتظار نتائج التحقيقات.
وأكد أن التقارير التي تفيد بأن المملكة قد اعتقلت أو قتلت خاشقجي “خاطئة تماماً ولا أساس لها من الصحة”، وأضاف أيضاً “لا شك أن عائلته في المملكة قلقة جداً عليه، وكذلك نحن.. فلجمال عديدٌ من الأصدقاء في السعودية، وأنا منهم، فعلى الرغم من الاختلافات في عدد من القضايا، ولا سيما مسألة اختياره ما سمّاه النفي الاختياري، حافظنا على التواصل فيما بيننا عندما كان في واشنطن”.
وقبل ذلك بيوم، اجتمع السفير السعودي مع فريد راين ناشر صحيفة واشنطن بوست (التي كان خاشقجي يكتب فيها مقالات رأي)، وأكد له “استحالة وقوع جريمة داخل القنصلية أو التستر عليها دون أن نعلم بها”.
وذكر خالد بن سلمان لناشر الصحيفة أن “خاشقجي كان قريباً جداً من العائلة السعودية الحاكمة، وهو شخص أمين”، وأن “انتقاداته للقيادة السعودية كانت مخلصة”.
وبعد ذلك وفي عجلة، غادر السفير واشنطن متجهاً للرياض، وأعلنت هيذر نويرت المتحدثة باسم وزارة الخارجية أن بلادها تتوقع معلومات بشأن اختفاء خاشقجي حال عودة السفير السعودي إلى الولايات المتحدة.
وكذلك أكدت أن الخارجية الأميركية لم تطلب مغادرة السفير السعودي لدى الولايات المتحدة، وأضافت “قيل لي إنه توجه لبلاده ونتوقع بعض المعلومات عندما يعود”. وقبل مغادرته واشنطن، تم إلغاء احتفالية السفارة بمناسبة العيد القومي للمملكة السعودية والتي كان متوقعاً لها أن تقام يوم 18 أكتوبر.
وأشارت بعض التقارير الصحفية أن خالد بن سلمان قد انضم لفريق إدارة الأزمة مع الولايات المتحدة إلى جانب وزير الخارجية ومسؤولين أمنيين آخرين، إضافة لأخيه الأكبر ولي العهد محمد بن سلمان.
علاقات واستمرارية
وعلى الرغم من غياب مفهوم المؤسسية بمعناه العلمي الغربي عن منظومة الحكم في الرياض، فإن علاقات السعودية الدبلوماسية مع واشنطن خضعت لنوع ما من الاستمرارية المؤسسية، خاصة مع الأخذ بالحسبان أن أهم مَن أدار هذه العلاقات هو الأمير بندر بن سلطان السفير السعودي لدى واشنطن من 1983 وحتى 2005.
واستطاع بندر العمل مع عدد من الملوك السعوديين، خالد وفهد وعبد الله، وتعامل مع نظرائهم الأميركيين في عدد من الإدارات: الديمقراطية في عهد بيل كلينتون، والجمهورية في عهد رونالد ريغن وجورج بوش الأب والابن كذلك.
وخلال تلك الفترة لم يؤثر غياب ملك أو ولي عهد في الرياض على علاقات الدولتين، إلا أن هذا المنحى بدأ في التغير مع تولي الملك سلمان بن عبد العزيز العرش السعودي في يناير 2015، وبدء خطوات تصعيد نجله محمد بسرعة كبيرة وصولاً لمنصبي وزير الدفاع وولاية العهد.
وتزامن ذلك مع تسمية خالد -الأخ الأصغر لولي العهد- سفيراً للرياض في واشنطن، واعتبر بعض الخبراء الأميركيين أن تعيينه جاء في الأساس ليكون سفيراً لأخيه ولي العهد محمد بن سلمان، قبل أن يكون سفيراً للدولة السعودية، وذلك لتقوية علاقاته مع العاصمة الأهم في العالم.
ومن هنا ومع وقوع أزمة خاشقجي واقترابها من محمد بن سلمان، تحوم في واشنطن الكثير من التساؤلات بشأن توقيت عودة السفير السعودي إليها، أو من سيكون في حال قررت الرياض تغييره، في حين لا يُعرَف ما إذا كانت واشنطن قد عبّرت عن رغبتها في عدم استمرار خالد بن سلمان سفيراً لديها.
الجزيرة