كنت قد نبهت العزيزين الاستاذين محمد عصمت يحيي القيادي بقوي الحرية والتغيير والماحي سليمان السناري النافذ بحزب المؤتمر السوداني اثناء (جلسة محضورة) في منزل الصديق الكاتب الصحفي محمد لطيف الي اهمية استصحاب الوضع المعيشي للمواطن المغلوب علي امره في خطاب التغيير وترتيبات الوضع الانتقالي ، اذ اني مازلت افتقد ما يشفي غليل الاسئلة الملحة بشان (قفة الملاح) ومالات الارتفاع الجنوني للاسعار والانفلات المخيف في الاسواق بينما لايزال ساستنا يتفاوضون لاقتسام كراسي السلطة في الداخل والخارج.
صحيح ان المواطن السوداني خرج بحثا عن الحرية والكرامة والعدالة وكافة القيم الانسانية النبيلة التي تصون كرامته وتحفظ عزته، غير ان هذه المقاصد السامية لن نعفي قادة التغيير من مخاطبة همومه الاساسية في البحث عن الحياة الكريمة ، بعد ان بلغت الروح الحلقوم وصار الوضع الاقتصادي اسوا مما كان عليه في ايام الانقاذ الاخيرة.
قلت لهم في ذلك اليوم ان كافة الثورات ترفع شعارات انسانية نبيلة تتحول الي مطالب معيشية ملحة لحظة اكتمالها بما يحقق حلم الناس في التعافي الاقتصادي وتوفير لقمة العيش.
ليس لدي ادني شك مثلما كتبت مرارا ان الاقتصاد هو الذي اسقط الانقاذ ، وطالما نبهنا مرارا الي ان الاسواق كانت اخطر علي نظام البشير من الحركات المسلحة وتكتيكات المعارضة ، كان رد الحكومة علي ما نكتبه في ذلك الوقت ابتعاد يومي عن هموم الناس وقرارات برفع الدعم وتضييق الخناق علي المواطن حتي انهارت الدولة وسقطت الحكومة بامر مشاكل واختناقات اقتصادية نتفق علي انها كانت عرضا للازمة السياسية العميقة.
ليس خافيا ان الوضع الاقتصادي هو الذي اشعل شرارة الثورة حينما خرجت عطبرة وتبعتها الدمازين ثم توالت تظاهرات المدن عندما زاد سعر الرغيف وحدثت ازمة في الوقود واصبح الحصول علي الكاش من المستحيلات، هذه حقائق لا تقبل الجدل رغم ادراكنا لوجود اساب اخري كانت ثانوية حتي ذلك الوقت .
في اول تنوير للاعلام في اليوم الثالث للمظاهرات قال الفريق صلاح قوش مدير جهاز الامن والمخابرات حينها انه لحظة خروج مواطني عطبرة التي اشعلت شرارة الثورة لم يكن في ولاية نهر النيل ولا جوال دقيق واحد والسبب ان الشاحنات التي تحمله الي هناك امضت سحابة نهارها وكل ليلها في صفوف الوقود.
لحظة نجاح الثورة المصرية بشعاراتها النبيلة والبراقة ، طفق المتظاهرون يحسبون نصيب كل فرد من 70 مليار دولار اشاعوا لحظتها انها وجدت في حساب الرئيس المعزول حينها محمد حسني مبارك، عاد الناس الي استديوهات السوق الرئيسية بعد ان ذهبت سكرة هتافات التغيير وجاءت فكرة مواجهة الواقع المعيشي ، احرقت التحديات الاقتصادية بعد كل ما حدث اكثر من 4 رؤساء للحكومة قبل ان تذهب بالثورة كلها ويتدخل الجيش لاستلام السلطة مجددا.
واليوم وبينما تصل الاسعار الي معدلات غير طبيعية وتشهد الاسواق انفلاتا غير مسبوق مازالت قوى الحرية والتغيير والمجلس العسكري والحركات المسلحة يجتمعون وينفضون داخل وخارج البلاد بلا ادني احساس باوضاع المواطن المعيشية التي تسوء يوما بعد يوم بفعل تصاعد الاسعار وتفاقم ازمة المعيشة في السودان.
هل يجدي ان نقول ان الانقاذ هي من دمرت الاقتصاد وان القادمين غير مسؤولين عن الاوضاع المتردية التي يعيشها المواطن ، الم يكن اصلاح الواقع الاقتصادي احد اهداف التغيير مع شعارات الحرية والسلام والعدالة؟!.
هل يعلم السادة في المجلس العسكري وقوى الحرية والتغير والجبهة الثورية وجميعهم يبددون الوقت الان في التفاوض من اجل اقتسام كعكة السلطة ان كيلو الطماطم وصل الي 250ج
وكيلو السكر 40ج ، رطل الزيت 45ج، هل يفهمون ما معني ان يكون سعر الكبريتة الواحدة 5ج
( السلطة الخضراء) لطبق واحد 120ج، ورطل اللبن الحليب 20ج، هل بلغهم ان سعر كيلو الموز فاكهة المساكين وصل ال 40 جنيه وغذاءهم طبق البيض سجل سعر 240 جنيه وان كيلو اللحم الضاني بلغ 420 جنيه والعجالي 320 جنيه، كل هذا بعيدا عن اسعار الدواء المتصاعدة- علي ندرته – والكساء والتعليم والكهرباء -(المقطوعة) يوميا – والمياه.
لماذا لا يستشعرون معاناة الناس ويحاولون انهاء جدل المفاوضات المتطاول في منابر ( عدادا رامي بالدولار ) كل ما امتدت الفترة ، لماذا لا يفعلون هذا من اجل الشعب الطيب الذي يعاني الامرين في سبيل الحصول علي الحياة الكريمة، هل خرج الناس وقدموا الشهداء من اجل ان ياتي اصحاب الكرفتات والياقات البيضاء وسماسرة الحرب ومتعهدي التفاوض بالدولار ليتقاسموا كرسي الحكم.
ايها السادة نحن بحاجة الي تكوين حكومة سريعة لمواجهة تحديات الواقع السياسي والامني والاقتصادي كونوها ( واتفاوضوا علي راحتكم)، قبل ان يقول لكم الشعب السوداني الفضل، (رجعونا محل انقذتونا)، ويخرج عليكم مرة اخري.
صحيفة اليوم التالي