طيف واسع من كوادر المؤتمر الوطني ابدي ترحيبا بالاتفاق التاريخي الذي تم توقيعه بين المجلس العسكري وقوي الحرية والتغيير قبل ان يمهر بالاحرف الاولي .
لكن البيان الذي خرج عن قيادة الحزب يهاجم الاتفاق والمجلس العسكري كان غريبا ومفاجئا ولا يتوافق مع الروح التي ظل يبديها عقلاء دولة الانقاذ التي ذهبت ولم يتبق منها غير العبر والذكريات.
مارس المؤتمر الوطني ظهورا باهتا من خلال البيان ، وبدا ان الحزب مازال بعيدا عن الحساسية المطلوبة في التعامل مع الاحداث، الموقف الذي عبر عنه البيان مع ردود الفعل المتواترة بواسطة كوادر الوطني خاصة في وسائل التواصل الاجتماعي يدلل علي ان الفجوة بين الحزب والقواعد منذ لحظة سقوط الدولة مازالت قائمة وتتسع يوما بعد يوم.
من بركات الاتفاق الموقع بين الحرية والتغيير انه اوجد توافقا نادرا بين المؤتمر الوطني- الحزب لا الافراد- والشيوعي الذي اعلن هو الاخر رفضه المغلظ للاتفاق، هذه الملاحظة وحدها كافية لمراجعة موقف المؤتمر الوطني الوارد في بيان لم يكن معبرا عن الروح العامة لكوادر الحزب وهي ترحب بما تم التوصل اليه التزاما منها بالحرص علي تحقيق الامن والاستقرار ووقف نزيف الدم ومحاصرة مخاطر الانفلات الامني.
الواقع ان مجموعة كبيرة من الاسلاميين شاركت في هذا التغيير، وان بعضهم رحب به وكان جزءا منه لانه كثيرا ما نادى باهمية الاصلاح وانتقد الطريقة التي كانت تدار بها الدولة .
عدد كبير من قيادات المؤتمر الوطني مازالوا يعتقدون انهم لم يحكموا خلال السنوات الماضية وان الذين اختطفوا الدولة لم يكونوا سوى منتفعين انفض سامرهم بذهاب الملك، هؤلاء لا يبدون اسفا كبيرا علي سقوط الانقاذ وقد كان بعضهم جزء من الاليات التي اسهمت في التغيير.
ليس من الحكمة كذلك ان يقف المؤتمر الوطني ضد تيار الفرح الشعبي العريض بالاتفاق، الشيوعيون( لم يحسبوها صاح) باعتبار انهم جزء اصيل من الحراك الشعبي الذي احدث التغيير ، ويرون ان في تعنتهم تقربا للشارع واحتكارا لصكوك الثورية القائمة علي الدعوة المطلقة لتصفية النظام القديم ، لكن يلزم الاسلاميين والمؤتمر الوطني عدم الوقوف امام تيار الشعب خاصة وان سيرتهم باتت ملاحقة بكثير من الاتهامات والظنون السيئة ومحاصرة بتجربة حكم انتهت الي ازمات عميقة.
يحتاج المؤتمر الوطني الي فترة تامل وتدبر وتقييم لمسيرته خلال السنوات الماضية قبل ولوج معترك السياسة من جديد، لو استقبل من امره ما استدبر لتروى كثيرا قبل تشكيل مواقفه بشان الاحداث المتسارعة .
يجدر بالوطني الاتجاه لتنقيح سجلاته من جديد فكثير من عضويته ذهبت بها رياح التغيير، انفض اصحاب المصالح بالتاكيد بحثا عن امتيازات ومغانم جديدة وتركوا اسياد الوجعة يتجرعون مرارة التجربة التي ذهبت بها الاجندة و تقاطعات المصالح والخلافات ، ماضي الوطني لو قلل من النشاط المعلن خلال الفترة الانتقالية واستعد للانتخابات برؤي وافكار وبرامج جديدة تبرم تصالحا مع الشعب السوداني بمباركة ثورته ودعم كل ما يحقق الامن والاستقرار ويبعد شبح التشظي والانفلات الامني، بالطبع تاييد الاتفاق بروحه الحريصة علي تحقيق اللامن والاستقرار وتجاوز حالة الاحتقان لا علاقة له بدعم المجلس العسكري او قوى الحرية والتغيير.
السؤال الذي يفرض نفسه بالحاح وعلي ضوء مواقف مؤيدة من منسوبي الوطني للاتفاق ، من الذي اصدر البيان وباسم من كان يعبر ، ولماذا كل هذا الانفصام بين قيادة الحزب وقواعده؟!.
اليوم التالي