سَمعتُ طُرفةً غليظةً لأحدِهم يقولُ أنه يَتمَني لو قَبضَ اللهُ رُوحَه ليرتاحَ مِن هذِه الحياةِ ومصائِبِها وتَكاليِفها فلا أملَ ولا حلّ سِوى الرَحيل .. اجابهُ آخرٌ (أنت عارف عشان تموت دي حاجة مُكلفة جدا) وأصبحَا يُتابِعانِ سَرد تكاليفِ الموتِ واحتِياجاتِه.
ولي هِوايةٌ غريبةٌ أكادُ لا أعرفُ سبباً لها وليسَ هُنالك تَفسيرٌ منطقيٌ لسببها. إذ أنني عِندما أذهبُ للمقابرِ مُودعاً أحدَ الموتى دائماً مَا أعودُ لِوحدي لإبدأ بقراءةِ ايّ شاهدٍ يُقابلني بتركيزٍ تام، وقد اُبالغُ احَياناً في معرفةِ تفاصيلِ الشاهدِ والميت وتاريخِ الوفاةِ إن وُجدت، وعِندما أعرف إسماً أو ملمحاً لأسرةِ أحدِ الراقدين، أواصلُ استِذكارَ واستِطرادَ الذاكرة لأري ايّ عَلاقةٍ تربِطني بِه وقد أجد أحد الشخصيات المعروفة أو المشهورة تُصيبني سعادةٌ غامرةٌ لهذا الاكتشافِ العظيم. وفي بَحثي وشَغفي هذا وجدتُ قبرَ محمد وردي وعثمان حسين بمقابر فاروق ومأمون عوض ابو زيد وبرعي القانون وإبراهيم عوض وعبد الله خليل بالبكري وصلاح محمد عيسي ومحجوب شريف بأحمد شرفي وآخرين لا أذكُرهم ..
وتَقنِيناً لهذه الهوايةِ ومعرفةِ مدلولاتها ذهبتُ الي حارسِ مقابر البكري أحمد أدم الذي يُمثل أعلي جهةٍ تنفيذيةٍ بهذه المقابرِ العريقةِ ولعلاقةٍ ترِبطُه بأُسرتي ومَعرِفته الجيدة بِهم لم أُعاني في تَعرِيف نفسي ومنً أكون. سَألته عن الجِهةِ التي تصنعُ تلك الشواهد وعن ما يُكتب بها من مُحتوي.. أجابَ أنها دائماً ما تكونُ حولَ رغبةُ الاهل وذَوِي المُتَوَفى. وقفَ لبُرهة ليستدركَ قائلاً أننا من نصنعُ الشواهدَ ولا أحدَ غيرُنا أخذني لجانبٍ آخر من الاستراحةِ وأراني مجموعةً من الشواهدِ الجديدةِ وبعضِ القوالبِ والخرصانة وبقايا أسمنت وغيرها مِن الموادِ التي حَسِبتها لصناعة طُوب المقبرة..
كم ثمن هذا الشاهد؟! سألته مباغتاً أجاب بِهُدوءه المعهود – فهو رجلٌ يُعاشر الموتَ يومياً فلا شيء يُهيبه ولا شيء يُخيفه – الشاهدُ يُكلفك 3 ألف جنيه يا بُني كانت إجابتُه صادمةً للغاية.
تذكرتُ ذلك الجدلَ الكَثِيف الذي دارَ بين الشخْصَين حولَ تكالِيف المَوت وبدأتُ رحلةً أخري باحثاً عن تكاليفِ ما بَعدَ الموتَ وواضعاً تكاليفَ هذا الشاهد في مُقدمةِ القائمة. بذَلكَ تكونُ قد ضاعت هيبةُ الموتِ في بِلادي بقِلةِ الحيلةِ وضيقِ ذاتِ اليِد الآ رِحمِ اللّه مَوتَانا ومَوتاكم ومَوتى المُسلِمين أجَمعِين.