البحث عن حلول إيقاف الحرب واحلال السلام في جنوب السودان هو أمر مهم لدى شعبنا ولدى شعوب الدول المجاورة لنا. غير ان الحقيقة المرة هي ان حكومات تلك الدول المجاورة لنا كل منها لديها أجندة تخدم مصالحها، وهي بالضرورة غير داعمة لاستقرارنا او رخاء بلادنا! والمباحثات الاخيرة التي اجريت في اثيوبيا وما آلت اليها لدليل على صراع حكومات دول (الايقاد) حول كيف يمكن ان تخرج كل دولة بغنيمة ما من جنوب السودان؛ فالمهم لدى هذه الحكومات ليس استقرار جنوب السودان وإنما ما تستفيد وتنتفع منها كل حكومة والا فليستمر القتال!
والآن قد تأكدت ان حكومة المؤتمر الوطني في السودان ستستضيف محادثات السلام بين حكومة جنوب السودان والمتمردين بقيادة رياك مشار ولام أكول المقيم والمحمي لدى الخرطوم ومن الصعب منطقياً تقبل العقل جدية الخرطوم وأهليتها لقيادة ما يمكن ان يجلب الخير والسلام والاستقرار لجنوب السودان. صحيح كان من الممكن ان تكون السودان هي اقرب الحكومات في الإقليم لجنوب السودان لو أراد المؤتمر الوطني ذلك عند استقلال جنوب السودان؛ وذلك عن طريق العلاقات الودية واعلاء ما ينفع ويفيد الشعبين. غير ان الخرطوم ارادت ان تستنزف جنوب السودان مواردها في حروبات أهلية تعطل تنميتها وتقدمها وقد نجحت الخرطوم في (دعم) (وتقوية) الخراب و الدمار وعدم الاستقرار. والْيَوْمَ هناك من يتفاءل بأن حل وإيقاف الحرب في جنوب السودان يمكن ان يتحقق تحت إشراف المؤتمر الوطني!! كيف ذلك وما هي الآليات التي تمتلكها الخرطوم لإحلال السلام في بلادنا؟
من المسلم به لدى أغلبية شعب جنوب السودان، ان نظام المؤتمر الوطني في جمهورية السودان هو العقبة التي تعمل بكل ما لديها من آليات الشر ووسائل الخراب لمنع التواصل السلمي بين شعوب البلدين. انه نظام أسس على مبادئ اراقة الدماء واذلال الآخر وإخضاعه. انه نظام يعتمد على التخلص من الخصوم المحليّين ودعم أعداء الخصوم الإقليميين والدوليين. قد خاصم المؤتمر كل دول جوار السودان؛ مصر واريتريا واثيوبيا وجنوب السودان وتشاد وليبيا. مثل هذا النظام يقول الْيَوْمَ انه يرغب ان يتوسط بين حكومة جنوب السودان وخصومها المدعومين من الخرطوم. انها من مهازل التاريخ وضعف ووهم من جانبنا على ان نتوقع ان يأتي ما يفيدنا وينفعنا من المؤتمر الوطني الراقص على جماجم الموتى.
بيننا وشعب السودان الكثير الذي يجمعنا ويجعلنا نتمسك بالسلم والصداقة من أجل الاستفادة من المنافع المشتركة؛ الا ان نظام المؤتمر الوطني يحول دون تحقيق ذلك. نظام المؤتمر الوطني فشل في تحقيق السلام وإيقاف الحرب والدمار في السودان ورفض تحسين العلاقات بين الخرطوم وجوبا والقاهرة؛ والْيَوْمَ تتظاهر بساعي السلام ووسيط لإنهاء الحرب والصراع الدامي في جنوب السودان وهو صراع يدعمه بكل ما تمتلكه من أدوات الدمار وأساليب الخراب. عمر البشير قائد هذا النظام الموغل في فن حياكة المؤامرات وصناعة الدمار والخراب في السودان وداعم اعداء شعب جنوب السودان، لا اعتقد ان مثل هذا الشخص يمكن ان يقوم بوساطة (مخلصة) تتسم (بصدق) و(اخلاص) لانه رجل ليس من صفاته حب الخير والاستقرار لجنوب السودان وهو رجل لا يريد السلام لشعبه، همه الأوحد هو ان يهزم خصومه؛ يقهرهم ويذلهم والترابي مثال لذلك. على ضوء هذا التوّجه والعقلية لا أتوقع اَي نجاح لوساطة المؤتمر الوطني.
المؤتمر الوطني نظام قاهر ظالم وهو نظام يعتمد على حبكه الاكاذيب وتحوير وتضخيم التضليل واستخدام الترهيب والتخويف لتحقيق اغراضه واهدافه. انه نظام (داعشي) الفكر والعمل، وهو سابق للدواعش في فعل الشر واستخدام الإرهاب لتحقيق أهداف أيديولوجيته الخاوية من الانسانية. نظام بمثل هذا السوء ما هي الأوراق التي يمتلكها لتحقيق صلح وتقريب وجهات النظر بين أطراف الصراع في جنوب السودان؟ نعم الخرطوم تمتلك أوراق الخبث والخداع والتخويف.
لكن ما هي تلك الأوراق الخبيثة التي في يد عمر البشير التي سيلوح بها في وجوه أعدائه المتصارعين؟ أنا اعتقد ان البشير سوف يجتمع بكل واحد منهما على الانفراد قبل اجتماع عام مشترك؛ فما هي أوراقه لتخويف رياك مشار وما هي أوراق تهديد الرئيس سلفا كير؟
عمر البشير هو الداعم الرئيسي لحركة رياك مشار سياسياً وعسكرياً ومالياً ودبلومسياً وإقامة، ولذا سيطلب من رياك ألا يقبل اَي اتفاق مع حكومة جوبا، اذا كان لن يصير نائباً لسلفا كير ويطلب من رياك متى صار نائباً لسلفا عليه العمل على صالح السودان في مجال البترول وان يعمل على تأكيد طرد أي قوة عسكرية وسياسية معادية للسودان من أراضي جنوب السودان. عمر البشير سيطلب من رياك مشار على ان يسحب قواته من كل مواقعها وجمعها على طول حدود السودان مع دولة جنوب السودان لاحتلال اراضي انتاج البترول في أعالي النيل بدعم مباشر من الجيش السوداني عندما تفشل المحادثات المقامة في الخرطوم. وبكل تأكيد رياك سيرضخ للبشير.
عمر البشير سيقوم بتهديد الرئيس سلفا كير باستعداده لدعم رياك مشار بكل ما يمتلكه من قوة عسكرية واقتصادية وسياسية اذا رفض ان يكون رياك مشار نائباً له. سيقول لسلفا أيضاً بأن يقوم بطرد اَي قوة عسكرية وسياسية معادية للسودان من أراضي جنوب السودان وان تسدد جنوب السودان أية متأخرات من أموال السودان وتعويض خسائر السودان في فانطاو واستعداد السودان لمنح إقامة دائمة لرياك في الخرطوم. وبالتأكيد الرئيس سلفا سيرفض هذا التهديد والاستغلال الفج.
من الواضح هنا ان وساطة الخرطوم هي عبارة عن محاولة إنزال وتحقيق عدالة الذئاب! كيف يستقيم ان يتحول المؤتمر الوطني لصانع خير لدولة يتمنى لها الزوال والاندثار! كيف يعقل ان يقوم عمر البشير وهو الداعم الأكبر للقوى المعادية لاستقرار جنوب السودان بأن يساهم في دعم عوامل تجعل جنوب السودان قوياً موحداً ومزدهراً وهو العدو الاول للسودان حسب قرار البرلمان السوداني لعام 2012.
قد يصنع الله ما يشاء من المعجزات من خلال الاخيار ولا تتم حدوث اَي معجزة من خلال الاشرار ولذا لا أتوقع اي معجزة من خلال الخرطوم تحت لواء المؤتمر الوطني.
السلام الحقيقي هو ما سيحققه أبناء وبنات هذا الوطن أنفسهم عندما يدركون ان خير بلادهم واستقرارها لن يأتي من آخرين.
بقلم / أتيم قرنق ديكويك
عضو في برلمان جنوب السودان حالياً