حادثة الشرطة مع قتيل شارع النيل استرجعت ذاكرتي الى أيام دراستنا في الجامعة وكان وقتها يقام منتدي اسبوعي لتنظيم اليسار بالجامعة، وكنا حريصين على حضور المنتدى من أجل الثقافة العامة وما به من قصص من بينها كما ذكر متحدثنا (الركاني) وقت ذاك .. انهم تمت مداهمتهم من قبل الشرطة كطلاب ناشطين سياسيين . وتسأل المتحدث وقتها إن كنا نعرف كيف يتم اختيار افراد الشرطة؟ فاجاب الجميع بعدم المعرفة .. حينها تبرع محدثنا انه يعرف تفاصيل وكيفية الإختيار لتلك المؤسسة .. وقال انه يتم الاعلان لحوجة الشرطة الى أفراد (جنود)، ووقت المعاينة يقف امامهم مساعد شرطة(صول) بعد أن يقف المتقدمين صفآ، وينادي فيهم (حضرة الصول) .. (اي زووووول فيكم بعرف يقرأ ويكتب يجيني بي جااااااي) وينفذ الأمر .. وينادي فيهم مرة أخرى (اي زووووووول مابعرف يقرأ ولايكتب يجيني بي جااااااااي) وينفذ الأمر .. المفاجأة أن هناك ايضآ من هم موجودبن في الصف يعني (لا هم مع البعرفوا ولا مع المابعرفو) كما يقول محدثنا هم الذين (يتم اختيارهم لملء مقاعد الشرطة) المطلوبة!! هذا مع احترامنا لقامات الشرطة المتعلمين والمثقفين منهم، خاصة بعد أن اصبحت الشرطة مؤسسة بكل ماتعني الكلمة وبها كليات تدرس التخصصات الشرطية والقانونية وغيرها .
وانا جالس على ديسك (سودان برس) وصلني البيان الأول من الشرطة مروس بكلمة (توضيح)، وما أن فرغت من قرأته حتى اتضح لي انه محاولة (تبرير) لما حدث، فهو أمر في غاية الخطورة .. وللتأكيد من البيان فقد رجعت الى المصدر الذي أكد لي ماجاء فيه، وللأمانة المهنية فقد قمت بنشره بالموقع الالكتروني، وبعده ضجت الأسافير بتفكيك وتشريح بيان الشرطة الذي ورطها في مقتل الشاب سامر عبدالرحمن الجعلي رحمه الله واحسن اليه.
ولعل ماقامت به وسائل التواصل الاجتماعي من فضح بيان الشرطة من خلال التحليل والتشريح، اضطر الشرطة للدفع ببيان أخر احسبه ايضآ (تبرير) للبيان الأول ومحاولة للفكاك من الهجوم الذي وقع عليها، وهنا رفضت نشر البيان الثاني ايضآ من منطلق مهني باعتبار أن البيان الأول هو ما ارادت ان تقوله الشرطة في تبريرها للحادث الشنيع أما الثاني فقد أتى من منطلق ضغوط.
وفي الجانب الأخر فقد دفعت أسرة القتيل ببيان قوي اللهجة دحضت فيه كل ماجاء في بيان الشرطة من تفاصيل قالت انها محاولة للخروج من الأزمة التي أحلت بها.
نعم .. للشرطة مواقف مشرقة في حراسة وتأمين الوطن والأرواح والممتلكات، لكن هذا الخطأ قد يكلفها الكثير من رصيدها لدى المجتمع، وكما يقول المثل (غلطة الشاطر بي ألف).
ومهما كان من أمر فعله القتيل رحمه الله فإن هناك من الوسائل السهلة والبسيطة التي قد لاتكلف الشرطة غير تفكير رئيس الدورية، منها أن يترك المجني عليه وتتم متابعته وجمع المعلومات حوله مثل رقم لوحة السيارة ورقم الهاتف وغيرها من المعلومات ومن ثم القبض عليه، اذا كان هو في الأساس قام بارتكاب جرم ما.
في ظني أن الشرطة وافرادها تعاملوا مع الحدث من منطلق (افلام الكابوي) لإظهار القوة في موضوع لايرتقي الى كل هذا الزخم الذي اوقعها في أكبر اخطائها.
مع احترامنا للشرطة كمؤسسة راسخة ولها مواقف مشهودة الإ انها في حاجة ماسة لمراجعة سجل جنودها فكثير من الأخطاء تقع عبر جندي وبدوافع شخصية لإظهار القوى أمام المجتمع الذي يحتاج هو الأخر الى حماية من الشرطة نفسها .
سودان برس