استغرب الصول الطيب محمود من حديث مجلس العزاء عن الطائرة التي تأتي مساء كل خميس وتحط رحالها بالمطار الحربي القديم بالقرب من منتجع عروسة بالبحر الأحمر.. التقط العقيد عثمان فقراي المعلومة وربطها بالقرية السياحية التي أسستها سيدة ألمانية.. كان عدد السواح لا يتناسب مع إمكانات القرية المترفة.. توجه مدير شرطة البحر الأحمر إلى مسرح الأحداث.. في المطار وجد ملابس قديمة وبقايا كؤوس من الخمر وشموع لا تطفئها الرياح.. ربط الخيوط يقود لعملية ترحيل الفلاشا التي تمت في عهد المشير نميري تحت مظلة السياحة.. حينما شعر نظام نميري بالحرج غيّر الملعب إلى العزازي بمنطقة القضارف.. وحسب الضابط فقراي أن الموساد أجلى بطائرة كل عناصره في قرية عروسة في جوف الليل .
شعرت بارتياب يسري في دواخلي، واللواء علي أحمد حامد يُبشر شعب السودان أن الروس قادمون.. والي البحر الأحمر كان يتحدث لقناة روسيا اليوم.. الوالي أكد أن رئيس الجمهورية اتخذ قرارات مهمة من أجل تنشيط السياحة.. لكن الأهم أن الروس سيبنون منتجعاً كبيراً على ساحل البحر الأحمر.. حسب إفادة الوالي وأمنياته أن يبدأ العمل في المنتجع الروسي قبل شهر أكتوبر المقبل.. علينا أن نربط هذا الخبر بآخر يفيد بأن الوزير معتز موسى في موسكو هذه الأيام بغرض بناء محطة نووية لإنتاج الطاقة الكهربائية.
في البداية، علينا التأكيد أن اللواء حامد والي البحر الأحمر يمتلك رؤية اقتصادية متكاملة للاستفادة من موارد السودان السياحية.. تلك الرؤية تجعله أفضل مرشح لوزارة السياحة إن كانت بلدنا تبحث عن مخرج سلس من الأزمة الاقتصادية الخانقة.. كما أن خلفية الرجل كضابط مخابرات سابق تجعله ملماً بالأبعاد الخفية في المنتجع الروسي.. هذا التحليل يقودنا أن بلدنا يمضي بمحض إرادته ليُصبح حديقة خلفية لدولة روسيا التي خرجت من عزلتها.. الرئيس البشير كان أكثر وضوحاً حينما طلب الحماية الروسية إبان زيارته مدينة سوتشي الدافئة والتقائه بالرئيس فلادمير بوتين.
الحديث عن أي وجود دولي في السواحل السودانية يصبح أمراً مرعباً لجيران السودان من الأشقاء والأصدقاء.. ما زالت كلمات الرئيس التركي عن التواجد في سواكن تثير حرائق دبلوماسية يصعب إطفاؤها.. حكومتنا الآن ستزيد ألسنة اللهب اشتعالاً.. التصريح بأن الروس قادمون في أزياء سياح يمارسون الغطس في جوف البحر الأحمر .. أو أن الدب الروسي سيساعد حكومة السودان الأصولية في الاستحواذ على الطاقة النووية لأغراض سلمية.. وفي ذات الوقت الحديث الصريح عن فتح أبواب الاستثمار في اليورانيوم في كل ولايات السودان.. كل ذلك سيزيد من أطماع الدول الأجنبية في أرضنا البكر.. بل ربما نجد بلدنا بات مسرحاً للصراع بين قوى مختلفة كما حدث في سوريا ويحدث هذه الأيام .
في تقديري.. أن سياسة الارتماء في المحاور قصيرة النظر .. سياسة مفصلة على مصالح الحكّام وتتجاهل تماماً مصلحة الشعب السوداني.. منذ سنوات الاستقلال حافظت الخرطوم على استقلالية وحيادية لم تهزمنا إلا سياسة المشير نميري الرعناء حينما ارتمى في أحضان السوفيت ثم قفز برشاقة إلى محور الرضاء الأمريكي.. وفي النهاية مضى مغضوباً عليه من الشرق والغرب.. سيذكر التاريخ أن الرئيس الأزهري صنع لبلدنا كياناً في قمة عدم الانحياز الشهيرة. بـ (باندونغ).. وأن المحجوب جمع بين الملك فيصل وعبد الناصر في خرطوم اللاءات الثلاثة.
بصراحة.. على الخرطوم ألا تندفع إلى سياسة المحاور.. ثمار هذه السياسة جعلت ضابطاً روسياً صغيراً يدفع الرئيس الأسد بعيداً حينما همّ بمرافقة الرئيس بوتين إبان زيارته للقاعدة العسكرية الروسية على التراب الوطني السوري .. ابتلع الرئيس الأسد الإهانة لأنه كان عاجزاً عن الحركة في وطن منقوص الإرادة مسلوب السيادة.