إحترت كثيراً في إختيار عنوان لهذا المقال، واستعصت علىّ الحروف والمفردات، وذهبت بأفكاري شرقا وغربا، حتى انقذني صديقي الشاعر إبن البركل _ المتيم بحب نوري _ العطا على العطا، وكأني سمعته يتلو مقاطع من قصيدته الرائعة ” يكفي إنها نوري وكفي” وكفاني بذلك العناء والمشقة في إستجداء المفردات. نعم ” يكفي إنها نوري وكفي” ومما هاجني فأزددت شوقاً _كما قال الشاعر العربي القديم _ تلك الهبة الكبيرة التي إنتظمت نوري، إذ بات يهددها ” النز” بالزوال، لدرجة ان منظمة اليونسكو توقعت زوالها في العام 2025 ، مالم تبذل جهود مكثفة للقضاء على هذه الظاهرة المخيفة إلى الابد. وقد تابعت عن بعد _ عندما كنت خارج الخرطوم _ الجهود المتسارعة في تكوين اللجان وتقسيم ادوارها بنظام دقيق حسب التخصصات ( في نوري والخرطوم)، وكيف ان رموز نوري وشبابها تدافعوا بكل همة لتقديم اقصي ما يملكون من خبرات وجهود للوقوف صفا واحداً لصد الكارثة، وهذا ليس بجديد عليهم، فهم يملكون تاريخا ناصعاً في التعامل مع الكوارث، وما فيضان 1988 عنا ببعيد حيث اوقفوه (عند حده) بأجسادهم واموالهم وافكارهم – وكأن بيت الراحل حميد الملهم كان يحدوهم : ” وطني ولا ملي بطني… سكاتي ولا الكلام الني” وقطعا أبناء نوري لا يعرفون ( الكلام الني) خاصة ” في الملمات”. وكنت قد فكرت في كتابة أسماء رموز نوري شيوخا وشبابا ( في نوري والخرطوم وبلاد المهجر) ولكن صدني عن ذلك، علمي التام بأن بعضهم، بل معظمهم يتواري من الإعلام، وكلهم ينطبق عليه قول الشاعر العربي الشماخ بن ضرار :
رأيت عرابة الأوسي يسمو
الي الخيرات منقطع القرين
إذا ما راية رفعت لمجد
تلقاها عرابة باليمين
فكلهم تلقي راية المجد بيمينه. والتحقت بالركب _ عند عودتي _ فوجدت القوم قد عقدوا الاجتماعات ليلاً ونهارا ( في المكاتب والبيوت) ووضعوا الخطط والبرامج وكتبوا الأوراق، وقد تجلي ذلك في الندوة التي عقدها مكتب منظمة اليونسكو بالسودان والتي كانت إحدي ثمرات جهودهم، وهذه لعمري نقلة مهمة، فالذين سعوا لعقد الندوة من ابناء نوري، إستطاعوا جذب إهتمام المنظمة الدولية المرموقة، والي جانبها الهيئة السودانية للآثار، وحينها ايقنا ان خبراءنا من ابناء بلدنا، قد وضعوا المشكلة في مسارها الصحيح. ولكن هذا ليس خاتمة المطاف، بل فاتحة الالطاف، فلا بد لانسان نوري ( المجتمع المحلي) ان يتفاعل مع هذه الجهود، وهناك توجيهات تتعلق بمسائل في الزراعة والري ذكرها خبراؤنا من ابناء نوري لا بد ان تجد طريقها لاهلنا في نوري حتي يكونوا جزءاً من الحل الحاسم للمشكلة، وهذا من اهم بنود الحل الجذري لظاهرة النز :
يابلدا بشابي عليها
طالتبي المشاوير
تصبحي بالامان يا نوري
يبقي مساكي بالخير.
هكذا تغني الشاعر الراحل قسم السيد عبد الرسول بحب نوري فبادلته حبا بحب. دعونا نتفاءل بهزيمة ” النز” قريبا بمشيئة الله تعالى، وان تصبح نوري وتمسي بالخير، وندعو الله ان يحفظ بلدنا واهلنا :
شوية المزروعة تنتج
حصادا كفانا وكفاكي
وجزايرنا يغني طيرا
يرك وزينا ويكاكي
ودمتم