الخرطوم:
تعد العدالة الانتقالية واحدة من الآليات المهمة المستخدمة دولياً لبناء السلام والاستقرار في المجتمعات التي تعرضت للنزاعات والحروب، وهي آلية أثبتت فعاليتها في الكثير من بلدان العالم في إزالة إرث العنف، إذ لا يمكن التأسيس لسلام دائم من دون عدالة واحترام الحقوق الأساسية للإنسان، فالسلام الحقيقي لا يتم فور توقف أصوات الأسلحة، وإنما أيضاً ما يتبعه من برامج لتضميد الجراح، إذ إن المتضررين من الحرب هم الذين تستهدفهم العدالة الانتقالية.
العدالة من أهم الأركان التي قامت عليها ثورة ديسمبر في السودان، والتي رفعت شعار (حرية، سلام، عدالة)، وبالتالي كانت واحداً من الأهداف الرئيسة التي يسعى السودانيون لتحقيقها بعد إطاحة نظام الرئيس عمر البشير الذي خاض حروباً وارتكب الفظائع في عدد من مناطق البلاد، بجانب العنف الذي قابل به المتظاهرين السلميين الذين رفعوا ذلك الشعار، فتساقط مئات الضحايا.
ويسعى السودانيون من أجل إرساء مبدأ العدالة الانتقالية لمعالجة آثار الحرب على المجتمعات المحلية وفتح صفحة جديدة، وفي سبيل ذلك كثفت الآلية الثلاثية التي تقوم بتيسير الحوار بين السودانيين من اجتماعاتها مع المكونات المختلفة والخبراء في مجال العدالة، وذلك بغرض التحضير لمؤتمر قضايا العدالة والعدالة الانتقالية التي يأتي ضمن الإجراءات المكملة للعملية السياسية الجارية في البلاد.
الإصلاح العسكري:
ومن أجل إعادة بناء الثقة المفقودة وترميمها، فإن قضية الإصلاح الأمني والعسكري واحدة من قضايا الانتقال التي تضمنتها كل الاتفاقيات والمواثيق التي وقعت في السودان منذ 2019. هذا يمثل نقطة انطلاق مهمة لإحداث التغيير المنشود.
هناك سؤال يفرض نفسه حول هل العدالة الانتقالية بديلاً للمساءلة الجنائية للجناة؟ ولعل من أهم تطبيقات العدالة الانتقالية تحقيق العدالة الجنائية بمحاسبة مرتكبي الانتهاكات والجناة، باعتبار أن العدالة الجنائية مكملة لأهداف العدالة الانتقالية التي تهدف لإحداث الاستقرار في المجتمع وجبر الضرر وتعويض الضحايا ورد اعتبارهم، وذلك عبر تقديم المسؤولين عن الانتهاكات إلى القضاء، سواء كان القضاء المحلي أو حتى القضاء الدولي (المحكمة الجنائية الدولية)، وذلك يصب أيضاً في عملية منع التكرار، إذ لا يمكن بأي حال من الأحوال اعتبار العدالة الانتقالية بديلاً عن المساءلة الجنائية لمرتكبي الجرائم المروّعة، ولكي تكون المساءلة الجنائية أكثر فعالية يتوجب أن تكون ضمن التدابير الأساسية للعدالة الانتقالية.
المصدر – البيان: طارق عثمان
