قال المنصوري لابنه: بدل ما تنطط لي زي ودْ أبْرَقْ، من أرتيق لي أرتيق، ما كان أحسن لك تمرق على البلاد البِيَصْدُر منها القرار؟.
كان صغيِّراً وجاهِلاً، لذلك اعتقد أنّ العاصمة هي البلد التي تصدُر منه القرارات المصيرية، شدّ المِسيكين رِحاله إليها وانخرط في الجيش.. افتتن بالبِرنيطة وظنّ أنّ عودته متشنطاً بالكاكي، سيُلفت إليه انتباه الناكعات في ليالي عيسى بروي.. لكنه مُذْ وصل إلى البلد، لم يسمع من أبيه غير الشكايا.. و آآخ يا بُوي..!
في ظل هذا الوضع، اضطر المِسيكين أن يشكو لأخواله جور الزّمان، وأنه، ما إن يفرُك عينيه في الصباح، حتى يسمع من أبيه شيئاً مثل نغمة النوكيا التي لا بديل لها: شقيت البلد من مِبيريكة لحدي مدرعات الشجرة، ما قِدرت تِشْتري لي أبوكْ عِمة وجلابية؟.
الوليدات يجيبو لي أُمَهَاتُنْ فتايل الريفدور، الوليدات يجوا سايقين البكاسي دبل قبين، إنت تجيني أباطك والنّجِم؟.
تجينا مُتِّحزم بي لِبسْ الدَيشْ، وكمان بي طربوشك؟ قالوا لكْ نِحنْ في البلد دي، قاعدين نزرع الكوكايين؟
يا زول، الكلام دا مسَّخْ عليهو القعدة، خاصة وأنه يسمع أباه يردد أكثر من مرة، أن رطل السكر بِقى بالشيء الفِلاني.. وآآخ يا بُوي، آآآخ يا بوي..!
قرر صاحبنا أن يِتْفكْفكْ، عاد سريعاً إلى الخرطوم، ودخل في حلِفْ، إلا يسافر إلى البلاد التي يصدر منها القرار، أخلى طرفه من العسكرية، وسافر إلى مدائن النَفْط.. ما إن وصل ورَمى بالهاند باق في مقر الجمعية، حتى سمِع بخبره مناصير الغربة، فجاءوا يسألونه عن أخبار السَّدْ والرَّدْ. توافدوا عليه متبرعين بالبحث عن عمل، ظنّ المسيكين أنّ مؤهلاته ستسعفه، وأنّ بإمكانه أن يختار العمل الذي يريد.
أحد مناصير الغُربة (كمَّلْ المساخة معاهو)، عندما قال له: آآ جَنَى هوي، البلد دي ما فيها (فرْكَيقْ). أكان داير تسوي ليك قريشَاتنْ تَسْتُرْ بيها حالك، أبقى مارق معانا.. باكر القريب دا، نَقَبِضَكْ شَغلانتكْ، وتبقى رعاوي زيَّنَا واحد.. نحن يا كافي البلا، هِني رعَّاوِية وهناك رعَّاوِية.
قال الباحث عن المدائن التي تصنع القرار: يا رِجَاليِ هووي، أنا داخِلني حلف، ما أرعى لي بهايم راجِل… يعني إتْخَمْخَمْ أجيكُنْ من حَدْ البلد، عشان تشغلوني رعاوي جمب بيت الله؟ رَفاقتي ناس الدهب يقولوا عليّ شنو؟.
المهم يا زول، بي جاي، بي جاي اقتنع المِسيكين… أعلن عن قبوله للتكليف، خرج إلى بيداء جزيرة العرب، لكنه قبل أن يُكمل الشهر عاد إلى مباني الجمعية.. أمام باب الجمعية أدلى بتصريحاتٍ أكد فيها أنه لن يعود إلى ذاك الكفيل!.
وأضاف (سيادته) مخاطباً آله وذويه في الغربة: تَرسِلوني لي عِريبِي مقطوع طاري، وما عندو شغلة غير يقول لِي: (حَمِمْ التِّيوس، أرْشِدْ التِّيوس)؟ التّقول داير يلعبْ بيهِنْ مباراة تقرير مصير؟..
سودان برس