دخل عبد الرحيم ود الضو كبير البرامكة، خِيامَ أولاده، فوجدهم قد أولَموا لغريب. اختلسَ نظرةً في الأواني التي وُضِعت أمام الضيف، فلم يجد بينها، فِسيسِيّة أو كُبّاية.. صفّق يديه حسرة، وقال:ــ أمانة يا الوليدات، ما إتّلوّمتو خلاس!
قالوا: كيف نكون متلوِّمين، وأنت شايِفنا ضابحِين؟
قال: كيف الضيف يجيكم في دياركم، وما تدّوهو الشّاهي؟
قالوا: الضيف أبى، وقال ما متعوِّد شراب الشّاي.. عندها ضرب ود الضو عصاه بالأرض، وقال موجهاً حديثه للضيف:-
نِحنَ في الدُّنيا دي، سِمعنا بي تارك الصلاة، لكن عمرنا ما سِمعنا بي تارِك شَاي.. سِمعنا بالوزير الكضّاب، وبإمام الجّامِع الوهْداب، سِمعنا بالإمام البِيحذِّرك من التُّمباك.. سِمعنا بالبَصير البيحذرك من أكل اللّحم الدّهين، ويقول ليك أدعَك في الترمُس وما تشرب السَّمِن.. سِمعنا بالمُعتمد اللّعْلاع، البيقول ليك، أدفع الضّريبة.. سِمعنا بالتّمرجي، طعّان الحُقنة، البيقول ليك ما تكتِّر في المِلح والسُّكَّرْ.. سمعنا بالدَّكتور، البيقول ليك خلِّي شراب الجَّبَنة.. سِمعنا بالحَكيم، البيقول ليك ما تلحس العسل، لكن ما سِمعنا، في دُنيتنا دي، بي حكيماً قال ما تشربوا الشاي!
ثم توسّط الخيام، وأطلق عقيرته بالدوباي، حتى هرع عليه الأحفاد في حجور الأُمّهات:-
اللّحَمر الدّلَمي، كمّلْ عِيال غَنَمي الفِسيسِيّة، كمّال السَعيّة.. البُنْ شراب حَبَشْ.. والبارد شراب فلْهمة وشهِيّة.. البارِد شراب الخواجة العينو زي الزِّرّة المطْفيّة
كان مُحاطاً بأحفاده من بنين وبنات، كان يمسح شعر ذاك، ويقبِّل تلك، ويلولي الصّغير، ويحكي لهم عن أيام البرامكة الخالدات: (زمان لمّا البلد دا كان حقّنا، قُلنا للخواجة):-
هوووي يا خواجة، نِحن شِنْ غردنا فِيك، أكان ما سِكيكرك وشَاييك؟ إنت شِنْ جابك لينا؟ أكان قُمنا عليك نرحِّكك رُحُك الطاحونة للدقيق.. نرحِكّك وتاني نرُدَّك، ونقطِّعك قِطّيع اللغَم للجِتّة.. نِحن عندنا السِمسم والفول، ودِيك حُبوبنا الزيتية، ماهِن محتاجات مصنعية.. عندنا الكركدي والعرديب ماهن محتاجات مصنعية، ألا شِوية سِكيكر، للكركدي والعرديب..
عبد الرحيم ودّ الضو، لم يُناغِم الضيف بعد ذلك.. لم يسأله عن مقصده ولا عن أهله وفصله، بل غرّدَ مُفاخِراً أنه برمكي، أمُّو بنت عم أبوهو.
كانت الكّبابي في تلك السّاعة، قد شقشقت أمامه بأحاديث الغرام، فأنشد يمتدحها:-
الشاهي، السِّنْ بِصفِرها، والعين بِحمِّرها، ويخلِف المرا مع راجِلا.. الشّاهي كل ماغِلى، زاد حَلا.. الشاهي الغالي بي تَمَنو.. أكان بتدور الكُبّاية مَلانا، أشرب مِنّا ساكِتْ، ومَا تقول كفّانا.
وبينما كان الأحفاد يلعبون ويتضاحكون، كان الكبير يجُر النّم فوق (الضّانَاية أُم عُيوناً حُمُرْ)، فيقول أنّها (ضِد الفَقُرْ).. ثم يعود إلى معشوقه الأبدي:-
الشّاي اللّحَمرْ الجّمجّل.. عُيون الشّاية الرّاقدة في التُّكُلْ.. ودَّرْ مِني ود حمْرا ودّرْ مني الجُّكُلْ، وفي شوفي ليها، بتَّنْ بَوَدِّر شُغُل.
ثم مضى إلى بعض النّحيب فقال: (في السنة الصعبة الإسمها تلّا، كمّلتَ البقر بالغلّة، الغَنِي الكارِب حِزاما إنْحلّا، الشّاهي ما بِتْخلّا، والمِسكين مَخيَّر فيهو الله.
سودان برس