البروف إبراهيم غندور كان وجهاً (مهضوماً) إلى حدٍ ما، عند مقارنته بآخرينَ ظلوا يحدثون أهل هذا البلاد بتأفُف، ومن أطراف مناخيرهم. اكتسب غندور من تجربته العملية تكتيكات ومناورات النقابيين، وحاز من قاعات الدرس كأستاذ جامعي، أريحية وفهماً وسعة صدر، جعلته مقبولاً لدى الكثيرين، وهو إلى ذلك طبيب أسنان،، لو أراد أن يعُض عليها بالنواجذ لفعلَ، لكنه على ما يبدو، (لعِبَ على دكّها)، على أمل أن يتم توزيعها، تارةً أخرى.
مع ذلك، يمكنك القول إن الرجل أخطأ على نحو مفاهيمي ففقد بذلك منصبه كوزير للخارجية، وخطأ على هذا النحو يجعلنا نقول له وبشماتة: تِستاهل..!.
كان غندور ذا مخيال رحيب، جعله يدير وزارة الخارجية بإحساس من يعلم أن بلادنا ليست ضيعة لحزب أو جهة أو حركة، لكنه كان مغلول اليدين وقد صودرت الكثير من صلاحياته واسندت لآخرين، لذلك كان شبه غريب في تلك الأقبية فلم يستطع إدخال عنصر وطني واحد إلى وزارة يأمل البعض في أن تكون لكل شعب السودان.
يستاهل غندور، رغم أن مغادرته للوزارة تجعل قلوبنا تدق بعنف، إذ أن بديله قد يكون (كارِباً) أو من الراتِعين، أو عنصراً من تمائم الجرتق الذين تقتضي ضرورة اللحظة استرضاءهم، أو قد يرفع الله بإعفائه وهدة صقر من الصقور، وكثير منهم ينتظر تلك اللحظة، لحظة الرجوع.
لماذا استغنت الإنقاذ عن غندور بهذه السرعة؟
الإجابة تتشبع بأجواء الصراع بين مكونات الإسلامويين، إذ بدأت قيادتهم تفضح أساليبهم في الحفر والمؤامرات، بما يؤكد أن بأسهم بينهم شديد. السبب المباشر الذي جعل الإنقاذ تستغني عنه وبسرعة فائِقة، حديثه الشفيف عن الأزمة الاقتصادية وانعكاساتها على الدبلوماسيين في سفارات السودان بالخارج. هؤلاء الذين كانوا محط شفقة الوزير المرفوت، لم يصرفوا رواتبهم لسبعة شهور خلت.. الخطأ المفاهيمي لصاحبنا يكمن في هذه الشفقة على مجاهدين تمتعوا، منذ أن خلق الله الإنقاذ، بمطايب ومخصصات التمكين.
يا أخي، إنت مالك؟. (عنهم ما صَرَفوا)، فالمعلمون في بلادنا تتأخر رواتبهم إلى آخر ليل الحزانى.. وفيها شنو يعني، إذا حُرِم المجاهدون من الدولار الاستكباري لبعض الوقت، ولماذا يحظون بشفقة نقابي مثلك وقد كان جُلُّهم ممن سطا على كرسيٍّ ليس له، أو ساهمَ بصورة فاعلة، في تشريد آلاف الأسر للصالح العام.
لو كنت تجعل أمثالنا من الناصِحين، لضربت عليهم (أضان الحامِل)، ولنازلتهم بنوع (الدبلوماسية) التي يعرفونها. هذا الخطأ المفاهيمي الذي وقع فيه غندور، يؤكد أنه عاش في قلب الإنقاذ ولم يفهم سياقها.. كيف لا وهو يستنجد ببعضها ضد البعض الآخر، ظناً منه أن مجاهدي البرلمان – مثلاً – سيناصرونه ضد مجاهدي وزارة المالية والاقتصاد الوطني..
لن أزيد على هذا، لكن أعيدها: تِستاهل، وتستاهَل، (إن لم تُثبِت الأيام أنك كُنت أذكى منا جميعاً).. ومن يدري، ربما يكون قائد دبلوماسية الإنقاذ خلال أحلك مواعيدها، قد شاهدَ المنظور، أو تشمَّمَ شيئاً من رائِحة السمك!.